فهل تسمح شريعتنا بهذا النوع من الاستثمار؟ وقد استنكر القرآن الكريم العبث في آيتين: إحداهما تتعلق بفعل العباد في استعمال الموارد الاقتصادية {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ}[الشعراء:] والأخرى تتعلق بتنزيه فعل الخالق تبارك وتعالى {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}[المؤمنون: ١١٥] .
وقد ذكر الطبري في جامع البيان أن العبث هنا هو اللعب والباطل ووصفه محمد جمال الدين القاسمي في محاسن التأويل بأنه "ما كان بغير حكمة وما بني لا للحاجة إليه، بل لمجرد اللعب واللهو". ولا يخرج عن ذلك المعنى الفخر الرازي في تفسيره لهاتين الآيتين، بل إنه أضاف في رواية أن عاداً كانوا يهتدون بالنجوم فاتخذوا في طريقهم أعلاماً، عبثاً؛ لأنهم كانوا مستغنين عنها بالنجوم.
فالعبث لا يصلح أساساً للمعاملات الشرعية. ولا يكون قاعدة يصح أن يتركز إليها الاسترباح. فليس لنا أن نعد كل عملية استرباح استثماراً سواء أكانت تحقق مصلحة أو منفعة، أم تمثل عبثاً محضاً. ولنضرب مثالاً متفقاً عليه حتى نوضح هذه القضية. فقد أفتى مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بحرمة بيع وشراء المؤشرات، وذلك بدورته السابعة عام ١٤١٢ هـ/ ١٩٩٢م؛ لأن المؤشر " شيء خيالي لا يمكن وجوده ". فالاسترباح بالمتاجرة بالمؤشر هو استرباح بالعبث وهو لذلك نوع من المقامرة، ولا يمكن أن نعتبر هذا الاسترباح عملية استثمارية على الرغم من أنه تستعمل فيها الأموال، وينتج عنها ربح لطرف وخسارة لآخر.
وإن المنهج الإسلامي للاستثمار يقوم على استعمال الأموال فيما يحقق مصالح الناس ويزيد من تمتعهم بالطيبات كمًّا ونوعاً، ولا يقوم على مجرد الاسترباح مهما كان هدفه وأيًّا كان موضوعه.
الآثار الجانبية للاستثمار:
إن كل عملية إنتاجية تتضمن نوعاً من أنواع التحويل من حالة المادة الأولية إلى حالة المنتوج النهائي. وإذا كان الاستثمار هو زيادة أدوات الإنتاج وآلاته وموارده، فإنه لا بد من التعرض للآثار الجانبية للإنتاج باعتبارها من آثار العملية الاستثمارية.