وكذلك قد يتعاقد متعهد عقد توريد مواد أغذية أو أدوية لمستشفى لمدة معينة، فيحصل زلزال كبير أو إعصار مدمر، أو تندلع حرب، فتقل المواد المتعاقد على توريدها في مدة العقد وترتفع أسعارها أضعافاً كثيرة من شأنها أن ترهق الملتزم إرهاقاً شديداً.
هذا هو معنى الظرف الطارئ عند علماء القانون. ومن شروطه:
١- أن يكون من شأنه أن يرهق الملتزم إرهاقاً شديداً، ولا عبرة لكون هذا الملتزم قويًّا ماليًّا بحيث إنه يستطيع أن يوفي الالتزام رغم إرهاقه الشديد. وهذا ما يفيده تعبير (من شأنه أن يرهق..) ولو كان خصوص هذا الملتزم قادراً على التنفيذ الأصلي.
٢- أن يكون الظرف الطارئ غير قائم عند التعاقد، ولا متوقع الوقوع؛ لأنه لو كان كذلك يكون محسوباً له حسب عند التعاقد، فلا يفاجأ الملتزم بما لم يكن في حسبانه.
ماذا توجب النظرية في هذه الحال
إن علماء القانون مجمعون على أن الظرف الطارئ بمعناه المشروح وشروطه إذا وقع فإن نظريتهم فيه أنه يعطي القاضي حقًّا وسلطة في أن ينظر الفرق الذي حصل في الأسعار بسبب الظرف الطارئ فيحمله على الطرفين معاً، أي يقسمه نصفين، فيحمل كلًّا منهما نصف الفرق تحقيقاً للعدل بينهما، إذ ليس من العدل أن يبوء به أحدهما دون الآخر.
ويحق للقاضي أن يمهل الملتزم إذا كان السبب الطارئ مرجو الزوال قريباً.
وللقاضي سلطة أيضاً إذا لم يكن العقد قد بدئ بتنفيذه، أو كان الذي نفذ منه جزءاً يسيراً أن يفسخ العقد ويلغي التزام المتعهد أوالمقاول، كما يحق له أن يفسخه جزئيًّا فيما لم يتم تنفيذه، ويحكم للملتزم له بتعويض عادل عن فسخ العقد، كما له أن ينتقص من التزامات الملتزم تخفيفاً عنه، أو يزيد في حقوق الملتزم له، معتمداً رأي أهل الخبرة في ذلك.
وهذا كما يبدو حل في منتهى المعقولية والعدل، إذ أن تحميل الفرق كله على أحد الطرفين ظلم واضح له، مع أن الظرف الطارئ ليس من صنعه، وتأثيره يشمل المجتمع كله، وكلا الطرفين من أعضاء المجتمع الذي تأثر بالظرف الطارئ فلا مبرر لإعفاء أحد الطرفين المتعاقدين من تأثيره، وتحميل الفرق كله على الآخر.