كنت قدمت في المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة مذكرة دعوت المجمع فيها إلى تبني حل لمشكلة التضخم نظير الحل الذي تفرضه نظرية الظروف الطارئة القانونية؛ لأنه يتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي قوامها العدل الذي قال فيه ابن القيم رحمه الله:
"حيث ظهرت دلائل العدل وسفر وجهه فثم شرع الله وأمره".
وكون هذا الحل مستوحى من نظرية قانونية لا يضير، إذ ليس كل ما في القانون الوضعي مخالفاً لمبادئ الشريعة الإسلامية وفقهها. بل إن المتفق فيه مع أحكام الشريعة أكثر كثيراً من المختلف. فما كان من المتفق مع أحكام الشريعة يمكن تبنيه وتخريجه تخريجاً جديداً على قواعدها، وتفريعه على مبادئها الحكيمة الثابتة بنصوص عامة أو بشواهد فقهية تؤيده، ونضيفه إلى فقهنا الجليل الذي نشأ كثير من أحكامه بمثل هذه الطريقة التخريجية لحاجات زمنية دعت فقهاؤنا إلى تلبيتها، أصبحت من صلب الفقه.
وبناء على مذكرتي تلك قام المجمع بتكليف أحد أعضائه الدكتور الأستاذ رشيد القباني بتقديم بحث عن نظرية الظروف الطارئة في القانون. ثم في دورة تالية أدخل الموضوع في جدول أعماله، ثم انتهى إلى قرار يعتبر فيه الظروف الطارئة بمعناها المشروح موجبة لتعديل الالتزامات والحقوق في العقود المتراخية التنفيذ كعقد التوريد مثلاً، وذلك بتنصيف فرق العملة الفاحش وتحميله على الطرفين على كل منهما نصفه ... إلخ.
وقد قام المجمع بتخريج ذلك كله على أصول الشريعة وعلى نصوص الفقهاء في عقد الإجارة الذي قرر الفقهاء جواز فسخه بالأعذار وعلى حكم الجوائح الطارئة على الثمار المتعاقد عليها وهي على أشجارها كما استند المجمع إلى قاعدة وجوب العدل في الشريعة، والمبدأ الذي أعلنه ابن القيم رحمه الله في كلامه الذي نقلنا بعضه آنفاً.
وإني أربط صورة كاملة لقرار المجمع الفقهي بمكة المكرمة في هذا الشأن تسهيلاً للاطلاع عليه عند النظر في مذكرتي هذه.