للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخلاصة القول في هذه المسألة –ما تعلق بالذمة من ثمن كسد- إن المذهبين الحنفي والحنبلي وقولاً في مذهب الإمام مالك يذهبون إلى أن الدائن لا يلزمه قبول الثمن الكاسد، وأن له قيمته وقت العقد، وأبو حنيفة خلافاً لصاحبيه يرى بطلان العقد محل الثمن، وأن المشهور في مذهب الإمام مالك والمذهب الشافعي، أن الدائن يلزمه قبول المثل ولو كسد، ولم نعرف خلافاً في ذلك، ولعل ملحظ الإمام الشافعي رحمه الله وأصحابه، أن الثمن المتعلق بالذمة إن كسد فله قيمة ذاتية في نفسه من ذهب أو فضة أو فلوس فهذه الأثمان من معادن لها قيمة ذاتية في نفسها، وهي تختلف عن العملات الورقية، فالضرر في قبول مثلها يسير، بخلاف العملات الورقية فإبطالها قطع لقيمتها مطلقاً، ولا أظن وجود عالم شافعي ينسب لإمامه الشافعي ومذهبه الشافعي القول ببراءة الذمة في دفع ما تعلق بها مما لا قيمة له كالعملات الورقية بعد إبطالها.

أما المسألة الثانية: وهي ما إذا تعلق في الذمة مال لا تزال ماليته قائمة إلا أنه تعرض لنقص السعر بعد العقد.

هذه المسألة الخلاف فيها بين فقهاء المذاهب قليل حيث اتجه جمهورهم إلى الأخذ بلزوم قبول المثل من المدين وإن رخص سعره، قال الكاساني:

ولو لم تكسد ولكنها رخصت قيمتها أو غلت لا ينفسخ البيع بالإجمال وعلى المشتري أن نقد مثلها عدداً ولا يلتفت إلى القيمة ههنا؛ لأن الرخص أو الغلاء لا يوجب بطلان الثمنية (١) اهـ.

وقال أيضاً في باب القرض: ولو لم تكسد ولكنها رخصت أو غلت فعليه رد مثل ما قبض. اهـ.

ونقل ابن عابدين أن الإمام الإسبيجاني في شرح الطحاوي قال:

وأجمعوا أن الفلوس إذا لم تكسد ولكن غلت قيمتها أو رخصت فعليه مثل ما قبض من العدد (٢) اهـ.

قلت: "ما ذكره الإسبيجاني من الإجماع غير صحيح، فإن الإمام أبا يوسف له رأي في الفلوس أنها إذا تغير سعرها برخص أو بزيادة فإن المدين بها يرد قيمتها وقت القبض أي قبض الدين. قال ابن عابدين في رسالته تنبيه الرقود على مسائل النقود:

" ... غلت الفلوس أو رخصت فعند الإمام الأول والثاني أولاً: ليس عليه غيرها، وقال الثاني ثانياً: عليه قيمتها من الدراهم يوم البيع والقبض وعليه الفتوى" (٣) اهـ.


(١) بدائع الصنائع ٥/٥٤٢.
(٢) تنبيه الرقود على مسائل النقود ٢/٦٠ من رسائل ابن عابدين.
(٣) رسائل ابن عابدين ٢/٦٠ و٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>