وقد ذكر ابن عابدين ما ذكره مثلاً مسكين في حاشيته من التفرقة في رأي أبي يوسف بين الفلوس والنقد من الذهب والفضة، وأن رأيه في لزوم القيمة بالنسبة للفلوس لا يندرج تحت القول بذلك في النقد من الذهب والفضة. واستحسن ابن عابدين هذا التنبيه من صاحب الحاشية. والمتتبع لرأي أبي يوسف لا يجد أنه رحمه الله نص على تخصيص الفلوس دون غيرها من الذهب والفضة.
والعلة التي جعلت الإمام أبا يوسف يقول برد القيمة في الفلوس موجودة في النقد من ذهب أو فضة إذا تغير سعره، حيث إن لكل من نقود الفلوس والذهب والفضة قيمة ذاتية كامنة فيها، والتضرر من نقص سعر الفلوس أو زيادته حاصل في نقص سعر النقد من ذهب أو فضة أو زيادته، فالكل يجتمع في وجود قيمة ذاتية في معدنه، وفي وجود الضرر على الملتزم بها في حال الغلاء، وعلى الدائن بها في حال رخصها، فالتفريق بينها تفريق بين متماثلين، وتقول على صاحب هذا الرأي بما لم يقله. ويصح لنا أن نستعير عبارة جاءت في حاشية الدسوقي على شرح خليل حيث يقول:
ولعله أطلق الفلوس على ما يشمل غيرها نظراً للعرف اهـ. فنقول كذلك لعل أبا يوسف أطلق الفلوس على ما يشمل غيرها نظراً للعرف لا سيما وهو رحمه الله لم يعط غيرها حكماً مغايراً لها، وبهذا يظهر أن المذهب الحنفي المشهور فيه لدى جمهور أهله: أن غلاء السعر ورخصه لا يؤثر على لزوم القبول برد المثل وأن في المذهب قولاً في الفلوس برد القيمة وعليه الفتوى.
أما المالكية فيكادون يجمعون على لزوم قبول الدائن رد المثل في حال غلاء السعر أو رخصه، وقد ورد عن الرهوني في حاشيته استثناء حال الفحش في الغلاء أو الرخص، وفيما يلي نقل شيء من أقوالهم:
جاء في المدونة: قلت: أرأيت لو أن رجلاً قال لرجل أقرضني ديناراً دراهم أو نصف دينار دراهم أو ثلث دينار دراهم فأعطاه الدراهم ما الذي يقضيه في قول مالك؟ قال: يقضيه مثل دراهمه التي أخذ منه رخصت أو غلت فليس عليه إلا مثل الذي أخذ. اهـ.
وجاء فيها أيضاً:
قلت: أرأيت إن أتيت إلى رجل فقلت له: أسلفني درهم فلوس، والفلوس يومئذ مائة فلس بدرهم، ثم حالت الفلوس ورخصت حتى صارت مائتا فلس بدرهم. قال: إنما يرد مثل ما أخذ ولا يلتفت إلى الزيادة (١) اهـ.