للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الحنابلة فجمهورهم وهو المذهب لا يعتبرون لنقص السعر أو زيادته أثراً في لزوم قبول رد المثل.. قال ابن قدامة:

قد ذكرنا أن المستقرض يرد المثل في المثليات سواء رخص السعر أو غلا أو كان بحاله، ولو كان ما أقرضه موجودا بعينه فرده من غير عيب يحدث فيه لزم قبوله سواء تغير سعره أو لم يتغير (١) اهـ.

وقال الكشاف:

وإذا كان القرض مثليًّا ورده المقترض بعينه لزم المقرض أخذه ولو تغير سعره ولو بنقص ما لم يتعيب –إلى أن قال- وعلم منه أن الفلوس إن لم يحرمها السلطان وجب رد مثلها غلت أو رخصت أو كسدت (٢) اهـ.

تنبيه: يلاحظ أن المصنف عبر هنا عن الكساد بمعناه اللغوي وهو تغير سعر السلعة بنقص خلافا؟ ً لما عليه عامة الفقهاء من التعبير بالكساد عن الانقطاع بتحريم السلطان إياها ولعله يقصد بالكساد هنا الفحش في النقص.

وقال في الروض المربع:

ويرد المقترض المثل أي لأن المثل أقرب شبهاً من القيمة فيجب رد مثل فلوس غلت أو رخصت أو كسدت. اهـ. قال في الحاشية: وهذا مع بقاء المتعامل بها وعدم تحريم السلطان لها عند أكثر الأصحاب؛ لأن علو القيمة ونقصانها لا يسقط المثل عن ذمة المقترض (٣) اهـ.

ومما تقدم يتضح أن جمهور الفقهاء يرون لزوم قبول المقرض لمثل قرضه لا سيما في الأثمان إذا لم يبطل السلطان التعامل بها لكن سعرها تغير بزيادة أو نقص.

وأن هناك قولاً بالأخذ بقيمة ما تعلقت به الذمة من ثمن في حال تغير سعره بزيادة أو نقص وإن كان التعامل به باقياً، وهو قول أبي يوسف، وذكر ابن عابدين أنه المفتى به، وذكر الرهوني قولاً لبعض المالكية وقيده بتغير سعره تغيرًّا فاحشاً، وذكر هذا القول الشوكاني في نيل الأوطار فقال:

فائدة: قال في البحر: مسألة الإمام يحيى: لو باع بنقد ثم حرم السلطان التعامل به قبل قبضه فوجهان. يلزم ذلك النقد إذا عقد عليه، والثاني يلزم قيمته إذا صار لكساده كالعرض –انتهى، قال في المنار: وكذلك لو صار كذلك يعني النقد لعارض آخر- اهـ. قلت: قوله لعارض آخر يفهم منه أن النقص الفاحش أو الزيادة الفاحشة موجبة للأخذ بالقيمة قياساً على منع السلطان التعامل بالسكة موضوعة الالتزام. وقد أخذ بهذا القول محققو الحنابلة ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والشيخ عبد الله أبا بطين والشيخ حسن بن حسين بن علي والشيخ عبد الرحمن بن سعدي، قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم في حاشيته على الروض المربع ما نصه:

قوله رخصت ... واختار الشيخ –أي شيخ الإسلام ابن تيمية- وابن القيم رد القيمة كما لو حرمها السلطان، وجزم به الشيخ في شرح المحرر فقال: إن أقرضه طعاماً فنقصت قيمته فهو نقص النوع فلا يجبر على أخذه ناقصاً فيرجع إلى القيمة وهذا هو العدل، قال عبد الله بن الشيخ محمد هو أقوى –إلى أن قال- وألحق الشيخ سائر الديون بالقرض وتابعه كثير من الأصحاب، وذكره الشيخ منصوص أحمد وأنه سئل عن رجل له على آخر دراهم مكسرة أو فلوس فسقطت المكسرة قال: يكون له قيمتها من الذهب (٤) اهـ.


(١) المغني ٦/٤٤١
(٢) كشاف القناع ٥/٢٥٨.
(٣) الروض المربع وحاشية ابن قاسم ٥/٤٣.
(٤) ٥/٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>