للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما حدود التضخم الذي تعتبر به العملات الورقية نقوداً كاسدة فيمكن أن نرجع إلى استذكار ما سبق ذكره في أول البحث من تحديد معنى الكساد. فقد ذكر علماء اللغة في معنى الكساد أنه عدم نفاق السلع في الأسواق، ونفاق السلع في الأسواق غلاؤها والرغبة فيها، وهذا يعني أن الكساد رخص السلع وعدم الرغبة فيها مع بقاء قيمة لها في الجملة، وقد اتجه جمهور الفقهاء إلى الأخذ بأن الكساد انقطاع القيمة، وقال بعضهم بالمفهوم اللغوي للكساد نقص القيمة مع بقائها من حيث الجملة، ويمكن أن نحدد الكساد: بأنه نقص السعر نقصاً فاحشاً بغض النظر عن بقاء التعامل به أو انقطاعه طبقاً للتعبير الذي ذكره الرهوني في حاشيته: حتى يصير القابض لها كالقابض لما لا كبير منفعة فيه.

فهل يعتبر التضخم الاقتصادي من الجوائح المضمونة حيث إن المدين قد انتفع ببدل الدين عليه انتفاعاً سالماً من أثر التضخم ثم حصل النقص الفاحش على الدائن في حال حبس دينه عند المدين وعجزه عن التصرف فيه بما ينقذه تضرره بالتضخم؟ على أي حال فإن اعتبرنا الأضرار الناتجة في التضخم شبيهة بالجوائح فقد ذكر العلماء رحمهم الله في تقدير الجائحة قولين وهما روايتان عن الإمام إحداهما أنه لا فرق بين قليل الجائحة وكثيرها فمتى حصل النقص اعتبر جائحة وقد استدرك على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية فقال:

وعلى الرواية الأولى يقال: الفرق مرجعه إلى العادة.

والرواية الثانية: أن الجائحة الثلث فما زاد، كما قدرت به الوصية والنذر ومواضع في الجراح وغير ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الثلث والثلث كثير)) . (١)

وخلاصة القول في هذا البحث أن بعض أهل العلم ذهبوا إلى وجوب قبول رد المثل لنقد جرى الالتزام به ثم أبطل السلطان التعامل به قبل قبضه، وذهب محققوهم إلى إلزام المدين برد القيمة، كما ذهب جمهورهم إلى القول بوجوب قبول رد المثل في حال تغير السعر بنقص أو زيادة بعد الالتزام، ولو بقي التعامل به، وذهب محققوهم كذلك إلى القول بإلزام المدين برد القيمة من غير نظر إلى مقدار النقص أو زيادته، وتوسط بعضهم فقال بإلزام المدين برد القيمة في حال تغير السعر بنقص فاحش حيث يكون القابض له كالقابض لما لا كبير منفعة فيه. ثم اختلفوا في تقدير الفحش في النقص فقال بعضهم: إن ذلك راجع إلى العرف والعادة. وقال بعضهم: إن ذلك مقدر بالثلث فما زاد.

وأحب أن أختم بحثي بالوقفات التالية لعل فيها ما يمكن أن يعتبر إكمالاً للبحث.


(١) مجموع الفتاوى الكبرى ج٣٠ ص ٢٧٩

<<  <  ج: ص:  >  >>