للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوقفة الأولى:

لا شك أن فقهاء المذاهب الأقدمين ومتأخريهم لم يكن لهم عهد بالنقود الورقية حيث إن الأثمان عندهم من الذهب والفضة والعملات المعدنية مما يسمونها فلوساً، ولا يخفى ما بين أجناس النقود الورقية وأجناس النقود المعدنية من فرق حيث إن النقد الورقي لا قيمة له في ذاته وإنما قيمته الثمنية في أمر خارج عن ذاته، فمتى بطل التعامل به انعدمت قيمته انعداماً كاملاً بخلاف النقد المعدني فلئن كان له قيمة ثمنية في اعتباره ثمناً فإن في ذاته قيمة معتبرة كجزء من مادة معدنه، ولهذا قال جمهورهم بلزوم قبول رد المثل منه ولو أبطل السلطان التعامل به؛ لأن الضرر بأخذه قد يكون يسيراً لوجود القيمة الذاتية فيه نفسه، ولو كانت النقود الورقية موجودة في عصور فقهائنا الأقدمين لما قال أحد منهم بقبول ردها ولو أبطلها السلطان، كيف وقد كان من بعضهم القول برد القيمة في حال تغير السعر بنقص أو زيادة مع بقاء التعامل بها ووجود قيمة ذاتية فيها؟

ولهذا أرى أن الاحتجاج من فقهائنا المعاصرين على القول بلزوم قبول رد المثل بما عليه فقهاؤنا الأقدمون احتجاج في غير محله وتقويل لهم بما لم يقولوه. والله أعلم.

الوقفة الثانية:

جاء في البحث القيم الذي قدمه فضيلة البروفيسور الصديق الضرير لمجمع الفقه الإسلامي بجدة في الصفحة الرابعة منه أن القول بربط القرض بمستوى الأسعار يؤدي حتماً في حال ارتفاع الأسعار إلى أن يدفع المقترض إلى المقرض أكثر مما أخذ منه وهذا ربا (١)

وتعليقي على هذا القول بأنه ربا، هذا القول غير صحيح. فلئن كان زيادة في الظاهر فهو في حقيقة الأمر وباطنه ليس زيادة وإنما هو التماثل في قدر الالتزام والحق الموجب له، فقد أخذ الدائن وقت الالتزام هذا القدر فلا بد أن يؤديه كما أخذه قدراً. وعليه فإن روح النصوص ومقاصدها لا تنطبق على هذا القول ولا تسعفه بتأييد، والملحظ الذي لحظه فضيلة أخينا الكريم الدكتور الصديق وهو الجانب الشكلي للتقاضي الذي وصفه بالربا، هذا الملحظ لحظه غيره من القائلين برد القيمة وقالوا: وله الطلب بقيمة ذلك يوم القرض وتكون من غير جنس النقد إن أفضى إلى ربا الفضل فإذا كان دراهم أعطى دنانير وبالعكس لئلا يؤدي إلى الربا (٢)


(١) البحث ص ٤
(٢) الدرر السنية ٥/١٠٨

<<  <  ج: ص:  >  >>