للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد نقلت هذا النص بطوله لبيان أن المجتهدين قد اختلفوا متى تعتبر الحياة منتهية فينتفي تبعًا لذلك ترتب أحكام الحياة، لقد رأينا أنهم لم يعتبروا الحياة تثبت إلا بالصوت والصوت حركة مرتبطة بالدماغ، فإذا كان الدماغ هامدًا لا يعطي أوامره ولا يضبط الإرجاع عن المؤاثرات فإنه لا حياة، ولذلك قدروا أن العطاس والبول والرضاع لا يعبر عن الحياة، وتنبه المازري إلى أن الرضاع حركة إرادية يعني أن الدماغ هو الذي يتدخل ليرضع الإنسان، فالامتصاص ليس عملية طبيعية وإنما هو عملية إرادية لا تكون إلا إذا كان الدماغ عاملًا.

ولكن حتى عمل الدماغ لم يعتبره المواق دليل حياة ما لم يكن عمله محكومًا عليه بالدمار القريب، فإذا حصل في أجزاء الجسم ما يدمر الطاقة الذهنية وحركة الدماغ كان في حكم الميت لا يرث غيره في هذه الحالة.

الرأي عندي:

بعد هذا العرض من الاختلاف في تحديد حياة الإنسان واعتباره ميتًا إذا كانت الحياة السارية ليست حياة بالمعنى الكامل كحياة الذي نفذت مقاتله، أو حياة الموضوع تحت الأجهزة الآلية التي تبقى على الدورة الدموية، أقول: إن هذا الرأي يبدو لي أنه رأي غير وجيه ويترجح عندي أنه ما دامت الأجهزة الأساسية حية فالإنسان حي يأخذ كل أحكام الأحياء.

إن الذي رجح عندي هذا هو أنه في السنة الماضية قرأت فصلًا في إحدى الجرائد جاء فيه أن فتاة أمريكية تعيش اصطناعيًا لمدة سنوات وطلب أبواها أن تراح من هذا العذاب المتواصل، وأن يقطع الأطباء أجهزتهم عن العمل لفائدتها، وبعد تدخل القضاء ورضا الأطباء بذلك كانت المفاجأة، إذ استمرت الحياة فيها غير معتمدة على الأجهزة، وأيضًا فإنه قبل سنوات كان المريض الذي يتوقف قلبه عن النبض تمامًا يعتبر قد انتقل من حالة المرض إلى حالة الموت، لكن توقف القلب بعد تقدم الجراحة الطبية أصبح لا يدل على موت صاحبه، بل إن عملية القلب المفتوح تقتضي توقيف القلب.

<<  <  ج: ص:  >  >>