للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الشيخ عليش: " إن الفلوس النحاس المختومة بختم السلطان المتعامل بها، لا زكاة في عينها، لخروجها عن ذلك قال في المدونة: ومن حال الحول على فلوس عنده، قيمتها مئتا درهم، فلا زكاة عليه فيها إلا أن يكون مديراً، فيقومها كالعروض" (١)

وذهب الظاهرية إلى عدم الاعتراف بالقياس، وبالتالي بالعلة، ومن هنا حصروا الأموال الربوية على الأنواع الستة التي ورد بها النص من السنة المشرفة، وهذا مروي عن طاووس ومسروق، والشعبي وقتادة وعثمان البتي. (٢) ولا شك أن مبنى قولهم هذا غير مقبول، لا يتفق مع القواعد العامة للشريعة التي جاءت بشمولية وعموم، وراعت الحكم والمصالح، ولذلك قام الجمهور بالرد عليهم في هذا المسلك حتى اعتبر بعضهم خلافهم في هذا الأساس شاذًّا لا يعتد به، ولا يخدش في الإجماع. (٣)

وقد عرضت هذه الأقوال لا لأقول: إنه لا يوجد ربا في النقود الورقية، وإنما لأبين الفرق بين الذهب والفضة وبين غيرهما، لنصل إلى الحل الوسط كما سيتضح إن شاء الله.

ثانياً: اتفق الفقهاء أيضاً على أن الذهب والفضة من المثليات، وبالتالي يردان بالمثل في حالة القرض، سواء رخص سعرهما أم غلا، أم كسدا وألغيا.

أما الفلوس ففيها خلاف، فذهب المالكية إلى أنها مثل الذهب والفضة، جاء في الشرح الكبير: "وإن بطلت فلوس، أو دنانير، أو دراهم، فالمثل، أو عدمت بالكلية، فالقيمة، وتعتبر وقت اجتماع الاستحقاق والعدم، أي العبرة بالمتأخرة منهما على قول، والمعتمد: يوم الحكم". (٤)

واختلف الحنفية في الأدلة في القرض، فذهب الإمام أبو حنيفة إلى مثل ما ذهب إليه مالك، حيث أوجب رد المثل في حالات الكساد والانقطاع وتغير العملة، وذهب أبو يوسف إلى وجوب القيمة في الفلوس في الحالات الثلاث السابقة، في حين ذهب محمد إلى وجوب المثل، عند تغير القيمة، ووجوب القيمة، في حالتي الكساد والانقطاع (٥) قال ابن عابدين: "ثم اعلم أن الظاهر من كلامهم أن جميع ما مر إنما هو في الفلوس والدراهم التي غلب غشها، فإنها حيث كانت لا غش فيها لم يظهر للاختلاف معنى، بل كان الواجب رد المثل بلا نزاع أصلاً. (٦)


(١) فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب مالك ط. مصطفى الحلبي (١/١٦٤-١٦٥)
(٢) المحلى لابن حزم (٩/٥٠٤)
(٣) قال ابن الصلاح في فتاواه ص (٦٧) : ذهب جمهور العلماء إلى أن نفاة القياس لا يبلغون منزلة الاجتهاد. وقال الإمام أبو المعالي الجويني: ما ذهب إليه ذوو التحقيق: أنا لا نعد منكري القياس من علماء الأمة فإنهم أولاً باقون على عنادهم فيما ثبت استفاضة وتواتراً.. وأيضاً فإن معظم الشريعة صادرة عن الاجتهاد" ثم قال ابن الصالح: "والذي أختاره أنه يعتبر خلافهم في الفقه لكن لا يعتد بخلافهم في نفي القياس الجلي مثل قولهم بنفي الربا فيما سوى الأشياء الستة".
(٤) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (٣/٤٥) ؛ شرح الخرشي (٥/٥٥)
(٥) رسالة النقود لابن عابدين ص (٦٢-٦٣) ح وحاشية ابن عابدين (٤/٢٦)
(٦) رسالة النقود لابن عابدين ص (٦٢-٦٣) ؛ وحاشية ابن عابدين (٤/٢٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>