للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا بالنسبة في ضمان المتلفات، وهذا محل اتفاق، أما في البيع فلم يجوزوه، إلا ما نقل عن مالك، وما روي عن معاوية أنه يجوز بيع مضروب بقيمته من جنسه، كحلي وزنه مائة يشتريه بمائة وعشرة، وتكون الزيادة في الصنعة، وهي الصياغة، وقال الأوزاعي كان أهل الشام يجوزون ذلك فنهاهم عمر (١) وكذلك اعتبر ابن تيمية وابن القيم المصوغ كالحلي يراعى فيه القيمة.

٤- يقول الشوكاني: " فإذا تلفت كان المالك مخيراً بين أخذ مثلها، أو قيمتها يوم الغصب، على وجه يرضى به من غير فرق بين مثلي وقيمي، ولكن إرجاع المثلي من أعلى أنواع الجنس، وقيمة القيمي على هذا الاصطلاح، أقرب إلى دفع التشاجر، وأقطع لمادة النزاع " (٢) .

ولم يغفل الفقهاء حتى في الذهب والفضة الوزن، حتى في حالة كونهما نقدين، فقد روى حرب، قال: قلت لأحمد: دفعت ديناراً كوفيًّا ودرهماً وأخذت ديناراً شاميًّا وزنهما سواء لكن الكوفي أوضع؟ قال: لا يجوز، إلا أن ينقص الدينار، فيعطيه بحسابه فضة (٣) فيما يجري فيه الربا، اعتبرت المماثلة فيه في المكيل كيلاً، وفي الموزون وزناً (٤) ، وقد أخذوا ذلك من الحديث الصحيح الذي رواه مسلم بسنده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الذهب بالذهب وزناً بوزن)) (٥) .

كما أنهم لم يغفلوا عن القيمة، حتى في بعض صور بيع الدراهم بالدينار، حيث اعتبر بعضهم النقص في القيمة عيباً يمنع الرد، يقول الفقيه الحنبلي الخرقي: "وإذا اشترى ذهباً بورق عيناً بعين، فوجد أحدهما فيما اشتراه عيباً، فله الخيار بين أن يرد، أو يقبل إذا كان بصرف يومه.." وعلق ابن قدامة على قوله " إذا كان بصرف يومه" قائلاً: "يعني: الرد جائز ما لم ينقص قيمة ما أخذه من النقد عن قيمته يوم اصطرفا، فإن نقصت قيمته كأن أخذ عشرة –أي من الدراهم- بدينار، فصارت أحد عشر بدينار، فظاهر كلام أحمد والخرقي: أنه لا يملك الرد؛ لأن المبيع تعيب في يده، لنقص قيمته" ثم إن ابن قدامة سلم بأن نقص القيمة عيب وإن كان لا يمنع ذلك من الرد، لوجود العيب القديم في نظره، ولكنه يجب عليه في حالة الرد أرش العيب الحادث عنده، وأخذ الثمن (٦) .

وقد أخذوا ذلك، من حديث ابن عمر، حيث قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (رويدك أسألك: إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير، وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطى هذه من هذه؟) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا بأس أن تأخذها بسعر يومها مالم تفترقا وبينكما شيء)) (٧) .


(١) تكملة المجموع للسكي (١٠/ ٨٣) ؛ بداية المجتهد (٢/ ١٩٦)
(٢) السيل الجرار ط/ دار الكتب العلمية (٣/ ٣٦١)
(٣) المغني ٤/ ٤٠
(٤) الكافي (٢/ ٥٤)
(٥) صحيح مسلم (٣/ ١٢٠٩) ؛ ومسند أحمد (٢/٢٦٢)
(٦) المغنى (٢/٤٧، ٤٩)
(٧) رواه أحمد في مسنده (٢/ ٨٢، ١٥٤) وغيره وسيأتي الكلام عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>