للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمر الثاني:

جواز بيع دينار ذهبي زائد بدينار ناقص، وزيادة بقدر النقصان، وبالعكس فقد روى الحافظ ابن أبي شيبة وعبد الرزاق بسندهما، عن الحكم أن في الدينار الشامي بالدينار الكوفي وفضل الشامي فضة قال: لا بأس به، ورويا مثله عن مجاهد، وروى عبد الرازق بسنده عن مجاهد: في الرجل يبيع الفضة بالفضة بينهما فضل؟ قال: "يأخذ بفضله ذهباً، وروى مثله ابن أبي شيبة، عن طاووس والنخعي " (١) .

بل إن جماعة من الفقهاء منهم أبو حنيفة ومحمد ذهبوا إلى اعتبار الوزن في الدراهم والدنانير مطلقاً؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على وزنتيهما حيث قال: ((وزناً بوزن)) والنص أقوى من العرف، فهو لا يعارض النص، وذكر ابن عابدين أن الدراهم والدنانير في عصره كانت مختلفة حيث قال: "فإن النوع الواحد من أنواع الذهب والفضة المضروبين قد يختلف في الوزن كالجهادي والعدلي والغازي من ضرب سلطان زماننا، فإذا استقرض مائة دينار من نوع فلا بد أن يوفى بدلها مائة من نوعها الموافق لها في الوزن أو يوفى بدلها وزناً لا عدداً، أما بدون ذلك، فهو رباً؛ لأنه مجازفة" (٢) .

ولا شك في أن النقود الورقية لا يلاحظ فيها الوزن قاطبة حتى تكون مثل الذهب والفضة في جميع الأحكام، ومن هنا قال الشافعي: "الذهب والفضة بائنان من كل شيء لا يقاس عليهما غيرهما" (٣) .

الفرق الثالث:

أن النقود الذاتية كالدراهم والدنانير، حتى لو ألغيت نقديتها، بقيت مثليتها، على عكس النقود الاصطلاحية كالفلوس عند من يقول بها، حيث لو كسدت تصبح سلعة متقومة عند الكثيرين، أما الدراهم والدنانير، حتى لو كسدتا وألغيت نقديتهما، بقيتا مثليتين.

بل إن الفلوس والدراهم والدنانير المغشوشة أحسن حالاً من النقد الورقي إذ إنها باعتبار أصولها وإمكانية الانتفاع من موادها، كسلعة تحمل قيمة، أما النقود الورقية، فلا تحمل أية قيمة، إذ إنها لم تعد صالحة للانتفاع بها، حتى للكتابة عليها بعد ما كتبت عليها من كتابات خاصة بالدولة التي أصدرتها، ولذلك يقول الاقتصاديون: إن هذه الأوراق جعلتها الدولة أثماناً عرفية، وألزمت الناس بقبولها في اقتضاء ديونهم، ولكن الأثمان المسكوكة سابقاً حتى "النقود الرمزية منها، كانت في أنفسها أموالاً لها قيمة يعتد بها، ولم يكن تقويمها موقوفاً على إعلان الحكومة، ولا بجعلها أثماناً رمزية، فإنها كانت تصنع تارة من الذهب والفضة، ومرة من الصفر، وأخرى من النحاس، أو الحديد مما هي أموال في أنفسها، ولذا لو أبطلت الحكومة ثمنيتها، بقي تقومها من حيث موادها، وأما هذه الأوراق، فليست أموالاً في أنفسها، وإنما جاء فيها التقويم من قبل الحكومة، ولو أبطلت الحكومة ثمنيتها بطل تقومها (٤) إذن فما المانع إذا قامت الحكومة بخفض قيمتها، أن نلاحظ هذه القيمة بقدرها في الحقوق والالتزامات الآجلة؟ "


(١) مصنف ابن أبي شيبة الحديث رقم (٢٢٩٣، ٢٢٩٧، ٢٢٩٨) ؛ ومصنف عبد الرازق الحديث رقم (١٤٥٥٩، ١٤٥٦٠)
(٢) حاشية ابن عابدين (٥/ ١٧٧)
(٣) الأم (٣/ ٩٨، ٩٩)
(٤) الأستاذ محمد تقي العثماني: بحثه السابق ومصادره المشار إليها

<<  <  ج: ص:  >  >>