أن المعاصرين جميعاً متفقون على أن نقودنا الورقية مختلفة باختلاف الدول التي تصدرها، ولذلك لا يجرى الربا بين ريال قطري وبين ريال سعودي، مع أن كلًّا منهما ريال، وبينهما شبه شكلي، فيجوز بيع ريال سعودي بريال وزيادة كما هو المعهود، ولو رد الدين به بدل الريال القطري تحسب هذه الزيادة فما السبب في ذلك؟
لا جواب على ذلك إلا اعتبار القيمة للريالين، ولذلك فهي ليست ثابتة، فقد يزداد سعر أحدهما دون الآخر وبالعكس، فلا اعتبار للاسم ولا للشكل ولا للوزن والعدد، وإنما للقيمة، في حين لو كانت العملة ذهبية، لما اختلفت باختلاف دولة الإصدار.
الفرق السادس:
أن أكثر العملات –إن لم يكن جميعها- قد كتب عليها عبارة:"ورقة نقدية مضمونة القيمة بموجب القانون " حتى إذا لم يكتب عليها هذه العبارة، فهذا هو واقعها، فقيمتها في وقتها الشرائية، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا ننكر هذا الواقع لأجل شكل ما أنزل الله به من سلطان؟ ولا أحد يدعي أن الذهب، أو الفضة حينما يضرب يحتاج إلى هذه العبارة، أو هذا الضمان.
الفرق السابع:
إن النقود الورقية في واقعها الذي ظهرت فيه كانت عبارة عن صكوك، تعبر عن الرصيد الذي كانت تمثله، ثم وضع لها غطاء ذهبي، فكانت قيمتها باعتبار هذا الغطاء، ثم لما ألغي هذا الغطاء، أصبحت موارد الدولة وقوتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وقوة ضمانها من قبلها هي الغطاء، ولذلك تتقلب هبوطاً وارتفاعاً حسب التقلبات التي تقع على الدولة المصدرة لها والضامنة لها، فهذا يعني بكل بساطة رعاية قيمتها وقدرتها الشرائية، ولذلك تتغير قيمة الليرة اللبنانية الآن وهي متقلبة ومتغيرة، وأن النقود نفسها تتأثر بها، فلا بد إذن القول بأن الليرة اللبنانية اليوم التي يمثلها غطاء ضعيف مهزوز، غير الليرة التي كان يمثلها غطاء قوي من حيث الواقع والغاية والهدف والنتيجة، فهي مرتبطة بأصل، وهذا الأصل قد تغير جوهره، فما يبنى على الأصل لا بد أن يتغير به.
وهذا بلا شك على عكس النقود الذهبية والفضية، حيث تكتسب قوتها من ذاتها، ولا تحتاج إلى هذه الاعتبارات.