للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخلاصة:

أن الرأي الذي يطمئن إليه القلب هو رعاية القيمة في نقودنا الورقية في جميع الحقوق الآجلة المتعلقة بالذمة من قرض، أو مهر، أو بيع، أو إجارة أو غيرها، ما دام قد حصل انهيار، وغبن فاحش يبين قيمة النقد الذي تم عليه الاتفاق وقدرته الشرائية في الوقتين –أي وقت العقد، ووقت الوفاء- وسواء كان المتضرر دائناً أو مديناً، والذي نريده هو تحقيق المبدأ الذي أصله القرآن الكريم، وعبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ((قيمة عدل لا وكس وشطط)) (١) .

النقود الورقية مثلية كقاعدة عامة ولكن:

ومن هنا فالنقود الورقية مثلية –كقاعدة عامة- فيكون الرد فيها بالمثل دون رعاية فروق طفيفة قد تحدث ولكنها عند الفرق الشاسع بين حالتي القبض والرد أو عند انهيار تفقد مثليتها، وقد ذكرنا لذلك أمثلة تحول فيها المثلي إلى القيمي مثل الماء الذي أتلفه شخص، أو استقرضه في الصحراء عند عزته وندرته، فلا يكفيه الرد بالمثل، وإنما لا بد من قيمته ملاحظاً فيها الوقت والمكان –كما سبق- فكذلك المثلي الذي دخلت فيه الصنعة فجعلته من القيميات، كالحلي ونحوه.

ومن هنا، فالنقود الورقية يلاحظ فيها يوم قبضها ما دام وجد انهيار، أو فرق كبير –أو كما يسميه الفقهاء غبن فاحش - بين الحالتين، فكما يلاحظ بين ريال قطري وريال سعودي قيمتهما عند الصرف، فكذلك لا بد من الفرق بين ليرة لبنانية كان غطاؤها قويًّا، وليرة في وقت ضعفها وضعف غطائها، فما دام المقابل قد تغير، فما يبنى عليه ينبغي أن يلاحظ فيه هذا التغير، وهذا هو في الواقع منطق ظهور النقد الورقي حيث كان بمثابة السند والإثبات في بداية ظهوره، ثم أصبح يغطيه غطاء من الذهب، ثم لما ألغي هذا الغطاء أصبح ينظر إليه باعتبار قوته الشرائية، بل لا يزال ينظر الصندوق المالي العالمي إلى قيمته في مقابل الذهب، وأن هناك محاولات جادة من قبل إقتصاديين لإعادة ربطه مرة أخرى بالذهب، للخروج من هذا المأزق، كما أن مندوب أمريكا –كما ذكرنا- قد طالب في مؤتمر صندوق النقد الدولي بضرورة ربط الدولار الأمريكي بالذهب، بأن يعترف المؤتمرون بأن الدولار يساوي كذا من الذهب، فرفضوا ذلك بناء على أن أمريكا تريد الحصول على هذا المغنم، دون أن يقدم الغطاء الحقيقي.

ومن جانب آخر فعلماؤنا الكرام لاحظوا الوزن في الدينار الذهبي المضروب لدولة واحدة، حيث أجازوا بيع دينار وزنه أكبر بدينار آخر وزنه أقل مع أخذ الزيادة، وما ذلك إلا لملاحظة القيمة الناتجة من القدر.


(١) رواه مسلم في صحيحه (٢/ ١١٤٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>