للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هنا، فالعملات الورقية إذا بيع بعضها ببعض نقداً فإذا كانا من جنس واحد مثل الريال القطري، فلا تجوز الزيادة؛ لأنها تكون بلا مقابل، وإذا كانا من جنسين مختلفين مثل الريال القطري والريال السعودي –مثلاً- فتجوز الزيادة بالاتفاق، وما ذلك إلا لملاحظة قيمة كل واحد منهما، أما إذا كان على الإنسان دين بعملة ورقية، سواء كان هذا الدين بسبب القرض، أو البيع، أو الإجارة، أو المهر، أو الضمان أو أي سبب آخر، فحينئذ ننظر إلى قيمة هذا النقد باعتبار الزمنين –هما زمن نشأة الدين وزمن الرد- مع ملاحظة مكان الدين، فإذا وجد فرق شاسع، فلا بد من رعايته وإلا فلا داعي ضماناً للاستقرار، ورعاية للعدالة، وتوازناً بينهما، وهذا الحكم لا يقتصر على القرض، بل يشمل جميع الحقوق والالتزامات الآجلة، يقول العاصمي: "وكثير من الأصحاب تابعوا الشيخ تقي الدين في إلحاق سائر الديون بالقرض، وأما رخص السعر، فكلام الشيخ صريح في أنه يوجب رد القيمة، وهو الأقوى" (١) .

فعلى ضوء هذا، فالتساوي والتماثل، والتفاضل، والتعامل والزكاة باعتبار قيمة النقود، إذن فما سعر الريال –مثلاً- في وقت واحد ومكان واحد لا تتصور فيه الزيادة، فلا تحتاج إلى رعاية القيمة، وكذلك في وقتين لم تتغير فيهما قيمته بشكل يؤدي إلى الغبن الفاحش فعلاً، لا تصوراً ولا تخميناً.

وحتى تكون أبعاد هذا الرأي الذي نختاره واضحة المعالم، فلا بد من أن نذكر التأصيل الفقهي له، والمعيار الذي نعتمد عليه عند التقويم، ومتى نلجأ إليه؟ وزمن التقويم ومكانه، وما يدور في هذا الفلك من حلول ممكنة.

التأصيل الفقهي للمسألة:

لا شك في أن مسألة النقود الورقية لم تكن موجودة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عصر الصحابة والتابعين، بل ولا في عصر الفقهاء المجتهدين، وإنما ظهرت –كما سبق- في حدود القرنين الأخيرين، ومن هنا فلا أمل ولا طمع لنا في أن نحصل على نص خاص يعالج هذه المسألة بخصوصها، ولكن لما كان الإسلام ديناً خالداً تضمن من المبادئ الكلية والقواعد العامة ما يمكن استنباط حكم كل قضية مهما كانت جديدة على ضوئها، إذن فالقضية قضية المبادئ والمقاصد العامة للشريعة، وليست قضية حادثة واقعة نص عليها، ومن هنا نذكر بعض المبادئ العامة التي تندرج تحتها هذه المسألة، ثم نعرج إلى بعض جزئيات ذكرها الفقهاء يمكن الإفادة منها، لتوضيح أبعاد الحل المقترح بإذن الله تعالى.


(١) الدرر السنية (٤/ ١١٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>