للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولاً: المبادئ العامة القاضية بشكل قاطع على تحقيق العدالة، والمصلحة الحقيقية للإنسان، ورفع الظلم والمفسدة عنه، فيقول الله تعالى بخصوص الربا: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: ٢٧٩] .

وقد ذكر المفسرون أن بني غيرة كان لهم ربا على بني المغيرة، فطلبوا منهم، فقال بنو المغيرة: لا نعطي شيئاً، فإن الربا قد وضع، ورفعوا أمرهم إلى عتاب بن أسيد بمكة، فكتب به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية، حيث أمرتهم، وغيرهم أن يرجعوا رؤوس الأموال إلى أصحابها بدون نقص ولا شطط (١) . فإذا كان هذا هو عدل الإسلام مع المرابين، فكيف يقبل أن يتضرر المقرض وبغبن هذا الغبن الفاحش؟ وإذا كان الإسلام قد دعا إلى الإحسان بالدائن، وقال صلى الله عليه وسلم: ((خير الناس أحسنهم قضاءً)) (٢) فكيف يقبل أن يقع عليه ضرر وظلم؟

إن الإسلام هو دين العدالة ودين العرفان بالجميل. والإحسان، وهو قد دعا إلى رد الإحسان بالإحسان، بل الرد بالأحسن: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: ٨٦] .

وضرب الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة الصالحة والأسوة التي يحتذى بها في رد القرض بالأحسن حيث استقرض جملاً ورد جملاً أحسن منه سنًّا وقال: ((خياركم أحسنكم قضاءً)) (٣) فكيف يقبل أن يدفع شخص دم قلبه وادخار عمره وخلاصة جهده وكده في زمن من الأزمان، ثم ترجع إليه نقوده بعد هذه الفترة التي احتسب فيها أجره إلى الله تعالى، وقد فقدت قيمتها الشرائية، وعادت إليه وهي لا يشترى بها شيء يذكر، بعد أن كانت تشترى بها أغلى الأشياء، فقد حدث أن أحد الفلاحين جاء إليه شخص يطلب منه مبلغاً من المال، فلم يجده عنده، فباع – من دماثة خلقه- بقرته بخمسين جنيهاً، وسلمها إليه، ومضت الأيام، حتى أصبح المدين موسراً، فرجع بخمسين جنيهاً إلى دائنه، فوقف الفلاح ينظر إلى هذا المبلغ الزهيد الآن، ماذا يفعل به؟ فنطق من فطرته قائلاً: يا أخي لا أريد هذا المبلغ، وإنما أريد أن تشتري لي بقرة مثل بقرتي، فتخاصما ولجآ إلى عالم المنطقة فأفتى بوجوب رد المثل! فهل خمسون جنيهاً الآن مثل خمسين جنيهاً قبل عشرين سنة؟ أين المثلية؟ وعلى أي معيار؟


(١) انظر المحرر الوجيز لابن عطية (٢/٤٨٨) ؛ والنكت والعيون للماوردي (١/ ٢٩٢)
(٢) حديث صحيح رواه البخاري في صحيحه –مع فتح الباري- (٥/٦٥) ؛ ومسلم في صحيحه (٣/ ١٢٢٤)
(٣) حديث صحيح سبق تخريجه

<<  <  ج: ص:  >  >>