للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكرنا في السابق عند كلامنا عن المثلية والقيمية أن هذه القاعدة العظيمة ما وضعها الفقهاء إلا لتحقيق العدالة، والوصول إلى التعادل والمساواة بين الحقوق المطلوبة والمدفوعة، فهل يحقق العدالة القول بمثلية النقود الورقية في الحقوق والالتزامات الآجلة؟

نرى القرآن الكريم والسنة المشرفة يركزان بشكل منقطع النظير على الميزان المستقيم والعدالة، فقال تعالى: {الرحمن

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (٤) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (٦) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (٧) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (٩) } [الرحمن: ١-٩] فكأن الحكمة من نزول القرآن هي إقامة الوزن بالقسط وعدم الهوادة والتساهل في الميزان، ولذلك نرى قد كرر الوزن والميزان في هذه الآيات القليلة أربع مرات، بل قد تكررت ألفاظ العدل، والقسط والميزان ومشتقاتها في القرآن الكريم ستًّا وسبعين مرة، بل أشار القرآن الكريم إلى أن قيام الكون كله يكون بالعدل، فقال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: ١٨] .

قال الماوردي: "معناه أن قيام ما خلق وقضى بالعدل، أي ثباته".

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن الربا حرم لما فيه من أخذ الفضل وذلك ظلم يضر المعطي فحرم لما فيه من الضرر" (١) وقال أيضاً: "والأصل في العقود جميعها هو العدل فإنه بعثت به الرسل، وأنزلت الكتل" (٢) .

ومن المبادئ العامة في هذا الميدان قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا ضرر ولا ضرار)) (٣) الذي أصبح قاعدة فقهية نالت القبول عند جميع الفقهاء، بل جعله الشاطبي من القطعيات التي تزاحمت عليها أدلة الشرع من الكتاب والسنة (٤) ، مثل قوله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: ٢٣١] .

وقوله تعالى: {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: ٦] ، وقوله تعالى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: ٢٣٣] .


(١) مجموع الفتاوى (٢٩)
(٢) مجموع الفتاوى (٢٠/ ٥١٠)
(٣) الحديث الصحيح الإسناد سبق تخريجه
(٤) الموافقات (٣/ ٩-١٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>