للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى غير ذلك من الآيات التي منعت الضرر إطلاقاً حتى بين الوالد وولده، وأما السنة، فقد أكدت هذا الجانب بما لا يمكن ذكره في هذا المجال، منها أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أحد الصحابة أن يقلع شجرة شخص؛ لأنها كانت تضره، وعلل ذلك بالضرر حيث روى أبو داود بسنده أن سمرة بن جندب كانت له شجرة نخل في حائط –أي بستان- رجل من الأنصار معه أهله، فكان سمرة يدخل إلى نخله، فيتأذى به الأنصاري ويشق عليه، فطلب إليه أن يبيعه، فأبى، فطلب إليه أن يناقله، فأبى، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له، فطلب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعه فأبى، فطلب إليه أن يناقله، فأبى، قال: ((فهبه له ولك كذا وكذا)) ، فأبى فقال: ((أنت مضار)) فقال صلى الله عليه وسلم للأنصاري: ((اذهب فاقلع نخله)) (١) وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: ((من ضار أضر الله به، ومن شاق شاق الله عليه)) (٢) .

ومن هذا المنطلق، فلا يمكن أن تكون الجزئيات مخالفة للقواعد العامة الشرعية، ولا التطبيقات مناقضة للأصول العامة المقررة، يقرر القرافي أن الكليات المقررة في الشريعة هي أصولها، وأن الجزئيات مستمدة من هذه الأصول الكلية شأن الجزئيات مع كلياتها في كل نوع من أنواع الموجودات، فمن الواجب اعتبار تلك الجزئيات بهذه الكليات عند إجراء الأدلة الخاصة من الكتاب والسنة والإجماع والقياس، إذ محال أن تكون الجزئيات مستغنية عن كلياتها، فمن أخذ بنص –مثلاً- في جزئي معرضاً عن كليه فقد أخطأ، وكما أن من أخذ بالجزئي معرضاً عن كليه، فهو مخطئ، كذلك من أخذ بالكلي معرضاً عن جزئيه (٣) .

فعلى ضوء ذلك، فالقول بمثلية النقود الورقية واعتبارها مثل الذهب والفضة في جميع الأحكام، أو حتى في أكثرها ما دام يترتب عليه هذه المظالم لأصحاب الحقوق، وهضم حقوقهم لا يتفق مع هذه المبادئ العامة القاضية برعاية العدل وعدم الظلم، ودفع الضرر والضرار، ولا سيما أن النقود الورقية لم يرد فيها نص خاص في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إذن فينبغي أن نطبق عليها القواعد العامة والمبادئ التي تحقق العدالة.

ثانياً: بعض مسائل فقهية سابقة يمكن أن تكون لنا أرضية صالحة للقياس عليها، مثل القضايا التي ذكرها فقهاؤنا السابقون بخصوص الفلوس، والدراهم والدنانير المغشوشة، حيث كانت تقدر قيمتها حسب نسبة التعادل بينها وبين الذهب أو الفضة، أو على أساس رواجها في السوق، وأن القيمة ملاحظة فيها عند إلغائها، أو رخصها، أو غلائها عند بعض الفقهاء، كما نجد أصولاً صالحة في هذه المسألة بخصوص ما ذكرناه في القيمي والمثلي على ضوء ما يأتي:

١- الرد في القيمي يكون بالقيمة عند جمهور من قال بقرض القيمي من الفقهاء –كما سبق- وعلى ضوء المعايير التي ذكرناها وجدنا أن إدخال النقود الورقية في المثلي، ليس من السهل قبوله ولا سيما إذا انهارت قيمتها –كما سبق-.

فإذا لم تدخل النقود الورقية في المثلي عند انهيارها، أو تذبذب كبير لها، فهي من القيميات، فيكون الرد فيها في الحقوق والالتزامات الآجلة بالقيمة، وحينئذ لا يكون هناك أي إشكال في رعاية القيمة، وقد ذهب وجه للشافعية وغيرهم إلى اعتبار النقود المغشوشة والفلوس من القيميات (٤) .


(١) رواه أبو داود في سننه –مع العون- كتاب الأقضية (١٠/٦٤)
(٢) رواه أبو داود في سننه –مع العون- كتاب الأقضية (١٠/٦٤)
(٣) الموافقات (٣/ ٨)
(٤) قطع المجادلة ورقة (٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>