للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - التضخم وارتفاع الأسعار ليس جديدًا على العالم بل كان معروفًا عند القدماء:

يعرف التضخم بأنه الارتفاع الملموس للمستوى العام للأسعار في بلد خلال فترة زمنية معينة، وهو يعني انخفاض القوة الشرائية للنقود، وهي المشكلة التي يعاني منها كل مجتمعات اليوم تقريبًا، هذا التضخم ليس جديدًا على العالم بل عرف حتى في الأزمنة القديمة، وقد حدثت كثيرًا في بلاد المسلمين في الماضي، وحاصرها أكثر الفقهاء القدامى، وقد سجلت كتب التاريخ الإسلامي أمثلة كثيرة على ذلك منها على سبيل المثال لا الحصر ما ذكرت بعض كتب التاريخ:

"ودخلت سنة ست ومائتين.. قيل وكان فيها رخص حتى بلغ الطعام ثمنًا خسيسًا فأخبرني سعيد ... قال: جاء رجل من أهل المرج.. ليطحن في رحاها وكان السعر رخيصًا جدًّا، فلم يطحن له من كثرة الطعام وهوانه فجاع وقال لطحان: خذ مني الحنطة، وأعطني دقيقًا فلم يفعل، قال: فأعطني رغيفين آكلهما وخذ من الحنطة ما تريد قال: ما بي حاجة إلى ذلك وكلم غيره في مثل ذلك فلم يفعل ... " (١) .

"ودخلت سنة سبع ومائتين ارتفع السعر وغلا بالموصل وسائر بلاد الجزيرة والبصرة والكوفة حتى بلغ الكر (٤٠ أردب) نيفًا وثلاثة آلاف درهم ... " (٢) .

وخلال القرن السادس عشر الميلادي شهد العالم كله ارتفاعًا ملموسًا في مستويات الأسار جاء بسبب تدفق الذهب على أوربا بعد اكتشاف العالم الجديد ثم انتقل الذهب حاملًا معه التضخم إلى أنحاء العالم المختلفة بعد ذلك.

ومنتفٍ أن يكون الفقهاء القدامى على غير علم بهذا الغلاء ولم يعرفوا بحدوث التضخم، كيف يكون ذلك وأشهر الرسائل التي ألفت في مسألة الغلاء والرخص إنما جاءت في نحو هذه الفترة (أي في القرن السادس عشر الميلادي، العاشر الهجري وما بعده) (٣) ، ومع هذا فقد وجدنا أنهم كانوا دائمًا يتحدثون عن القيمة لتعني الذهب والفضة ولم يعبأوا أبدًا بمسألة انخفاض أو ارتفاع القوة الرائية لهذين المعدنين، ولم يروا أن لها تأثيرا على الديون الثابتة في الذمة بالدرهم والدينار، مع أنك ترى أن القوة الشرائية للدرهم والدينار تتغير وكانوا يدركون ذلك تمامًا.


(١) أبو زكريا محمد الأزدي، تاريخ الموصل تحقيق د. علي حبيبه – القاهرة، لجنة إحياء التراث الإسلامي ١٣٨٧هـ
(٢) أبو زكريا محمد الأزدي، تاريخ الموصل تحقيق د. علي حبيبه – القاهرة، لجنة إحياء التراث الإسلامي، ١٣٨٧هـ
(٣) مثل السيوطي في رسالته "قطع المجادلة عند تغيير المعاملة" (القرن العاشر) ، والخطيب التمرتاشي "بذل المجهول في مسألة تغير النقود (القرن العاشر) ، عبد القادر الحسيني "رسالة في تراجع سعر النقود بالأمر السلطاني" (القرن الثاني عشر) ، ابن عابدين "تنبيه الرقود إلى أحكام النقود" (القرن الثالث عشر)

<<  <  ج: ص:  >  >>