للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورب قائل: إن السبب في ذلك إنما يعود إلى أنهم لم يطوروا مقياسًا يمكن من خلاله التعرف على القوة الشرائية للنقود (CPI) ولو كانوا عرفوه، لما وسعهم إلا الفتوى بجواز تبينه والقول بملاءمته في حالات الغلاء والرخص.

والجواب عن هذا:

أ- أنهم لم يكونوا بحاجة إلى مثله لإدراك أن التضخم يجتاح البلاد، ذلك أن السلع والخدمات في زمنهم كانت قليلة محدودة ومستويات المعيشة متقاربة والحاجات الأساسية للناس معروفة: هي القمح والزيت واللحم والتمر وما إلى ذلك، فإذا ارتفع سعر حتى واحد منها لمس ذلك بشكل واضح لدى جميع الناس، وهي أدق في قياس المستوى العام للأسعار من المؤشر لأن الأخير يعتمد على عينات قليلة من مجموعة كبيرة جدًّا من السلع والخدمات ثم يعمم النتيجة على تكاليف المعيشة، وإنما احتاج الناس إلى المؤشر لما تعددت الحاجات وكثرت السلع وأنواعها وأشكالها حتى صارت تعد بآلاف، وظهرت الخدمات جزء مهم في النشاط الاقتصادي وتوسعت المناطق وكثر سكان البلاد، والأهم من هذا كله هو أن هذه المؤشرات إنما ظهرت عند ظهور نموذج الدولة الحديثة التي تتبنى سياسة نقدية تهدف إلى تحقيق استقرار في الأسعار، وثبات لصرف العملة، وتحتاج إلى طريقة لاتخاذ القرارات المتناسقة.

ب - إن مؤشر تكاليف المعيشة لا يصلح إن يكون مقياسًا للعدل أو الظلم أو أداء لحفظ الحقوق فهو لا يعول عليه، كيف وهو مقياس تقريبي جدًّا تؤثر عليه الأهوال وتتحكم فيه السياسة – وقد بسطنا جوانب أخرى من أسباب القول بعدم صلاحيته في الملحق رقم (١) .

٤ - الفروق الأساسية بين الربط بالذهب والربط بمؤشر تكاليف المعيشة:

سبق أن ذكرنا أن بعض الكتاب المعاصرين قد فهم –خطأً- كلام الفقهاء عن "الرد بالقيمة" (وهو كثير) أنه مرادف للقول بالربط بالمستوى العام للأسعار، وقد رأينا أن ذلك غير صحيح إذ إن القيمة عند الفقهاء هي الذهب والفضة، ونحن الآن نزيد في إيضاح أن الربط بالذهب مختلف في حقيقته وفي آثاره عن الربط بمؤشر تكاليف المعيشة، فالقول بجواز الربط بالذهب يختلف في مآلاته وفي حقيقته عن القول بجواز الربط بالمؤشر.

أ- منها، أن مؤشر تكاليف المعيشة هو مقياس تقريبي (جدًّا) يقيس بطريقة مبسطة ظاهرة بالغة التعقيد سريعة التغير عظيمة الخطورة، وهو لا يعتمد على عناصر موضوعية فقط بل تؤثر فيه الأهواء وتوجهه الأغراض السياسية وتصدره وتشرف عليه الجهة الوحيدة التي تستفيد دائمًا من التضخم وهي الحكومة، فلذلك نجد أن لها – أبدًا - مصلحة في زيادة (التضخم بإصدارها النقود بلا حدود) ثم إخفاء الآثار السيئة لهذه الفعلة المشينة بالتلاعب بمؤشر تكاليف المعيشة، ولذلك لا غرابة أن نجد أن هذا المؤشر في جميع الدول النامية تقريبًا لا قيمة له ولا يعول عليه ولا يستمد منه أية منفعة عملية، أما الربط بالذهب فهو يعيد النقود إلى أصلها الصحيح وهي الارتباط بالمعدن النفيس.

<<  <  ج: ص:  >  >>