ب- إن الربط بمؤشر تكاليف المعيشة سياسة ثبت فشلها عمليًّا في دول أميركا اللاتينية وهي لا تعالج التضخم بل تؤدي إلى تفاقمه وتسارعه كما ثبت من التجربة، ذلك لأن مستوى الأسعار إذا زاد ارتفع مؤشر تكاليف المعيشة، الأمر الذي يعني أن جميع القروض والديون والالتزامات المالية المؤجلة المربوطة ستزيد بنفس النسبة مما يزيد من تكاليف الإنتاج، الأمر الذي سينعكس على زيادة في معدلات الأسعار فيرتفع المؤشر مرة أخرى وهكذا يدور الاقتصاد في حلقة مفرغة، أما الربط بالذهب فلا يؤدي مثل ذلك لأن ارتفاع سعره ربما تبعه ارتفاع في القيمة النقدية للديون والالتزامات ومن ثم ارتفاع التكاليف مثل المؤشر ولكن ذلك لن يؤدي بحال إلى ارتفاع سعر الذهب مرة أخرى لأنه مستقل عن كل بلد.
ج- إن أكثر المطالبين بإيجاد صيغة "شرعية" للربط بمؤشر تكاليف المعيشة هي الحكومات الإسلامية التي تقترض من مواطنيها بإصدار السندات بالفائدة وتلاقي الضغوط الكثيرة من جهات متعددة في بلادها تنادي بالامتناع عن التعامل بالربا، وأنه لا سبيل إلى اجتثاث داء الربا من معاملات الأفراد إذا كانت الحكومة هي أكبر المتعاملين به، وهذه الحكومات لا ترى سبيلًا لتمويل عملياتها إلا بالاقتراض وتراكم الدين، والاقتراض في زمننا الحاضر غير متصور بدون اشتراط الزيادة للمقرض، فكان الربط القياسي المخرج الذي يريدون من خلاله الوصول إلى ما يريدون وما أيسر ذلك إذا كانت الحكومة التي تقترض بإصدار سندات مربوطة هي ذاتها التي تصدر النقود وتولد التضخم، وهي عينها التي تصدر الإحصاءات التي يحسب المؤشر بناء عليها، وما على تلك الحكومات إذن إلا أن تتأكد أن جميع ذلك يتجه دائمًا إلى الارتفاع المستمر.
ولكن لو قيل لهذه الحكومات: فلتربط تلك السندات بالذهب وليس المؤشر (ولا يعني هذا أني أنادي بذلك) لوجدت أن الأمر قد اختلف لأنها عندئذٍ سوف تضطر إلى إصلاح أمورها المالية وإلا فستجد نفسها في يوم من الأيام غير قادرة على الاقتراض، وسوف ترى أنه ليس من مصلحتها أن تتوسع بدون حدود في إصدار النقود الورقية والاستدانة من الجمهور بلاد حدود.
٥ - ليس صحيحًا أن "النقدية" قد زالت عن الذهب:
يعتقد كثير من الناس أن معدن الذهب ليس – الآن - أكثر من سلعة كسائر السلع ليس لها خصوصية، ومن ثم فإن ارتباط النقود بها ليس له مبرر إلا كمبرر ارتباطها بالبترول أو القمح أو أية سلعة من السلع المتداولة في الأسواق العالمية، وأن الزمن الذي كان الذهب فيه نقودًا قد مضى وانقضى، وأن التعلق بالذهب في هذا المجال ليس أكثر من شعور "عاطفي" لا مبرر له.