للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما عدم تغيير قيمة العملة، فيكون بالأمر السلطان نفسه، بحيث يجعل الدرهم الجديد مثلًا مساويًا للدرهم القديم وعندئذٍ، سيقبل الناس في معاملاتهم على الدرهم الجديد، مثل إقبالهم على القديم عندما كان هو الرائج، ولن يؤثر تغيير الدرهم على المستوى العام للأسعار، ولا على سعر أي من السلع والخدمات في السوق.

ولكننا ينبغي أن نلاحظ هنا أنه بالنسبة للعملات المعدنية، فإن أي اختلاف في قيمتها كمعدن سيؤثر على سلوك الناس نحوها، قبولًا، أو رفضًا، وسيظهر معنى القبول أو الرفض هذين في شكل فروق في الأسعار، بين النقد الجديد والقديم. فلو احتوى الدرهم الجديد على كمية من المعدن تنقص (أو تزيد) عن الدرهم القديم، فما أن يعلم الناس بذلك، حتى ينقصوا (أو يزيدوا) من سعر الجديد في مبادلتهم له بالقديم (١) وسينعكس ذلك تبعًا على المستوى العام للأسعار.

أما آراء الفقهاء في الديون التي التزم بها الناس بالنقد القديم، التي تنطبق على هذه الصورة (في نظر الكاتب) ، فيبدو لي – والله أعلم - أنه يصح فيها ما تحدث عنه الفقهاء عند اعتبارهم أن النقد لو أطلق فهو نقد البلد (٢) ، لأن النقد إذا أطلق لا يقصد به أعيانه، "وإن النقد لا يتعين في المعاوضات" (٣) .

٢ - الصورة الثانية:

منع التعامل بالنقد، واستبداله بنقد جديد، بقيمة مختلفة، مع عدم وجود القديم في جميع البلدان، وعدمه عند الصيارفة.

ويحصل ذلك لأسباب تشبه الأسباب التي تحصل فيها الصورة الأولى، ويضاف إليها سبب آخر، وهو رخص (أو غلاء) العملة القديمة، فتصدر الجديدة عن السلطان بسعر أكبر (أو أقل) من العملة القديمة، ويحدد الأمر السلطاني سعر العملة الجديدة بالنسبة للقديمة، وقد تحمل العملة الجديدة نفس اسم العملة القديمة، فيقال القرش القديم والقرش الجديد، أو اسمًا آخر كالريال والليرة، ويلاحظ أن اختلاف القيمة بين العملتين هنا هو اختلاف محدد معروف، كأن يكون القرش الجديد مساويًا للقرشين من القديم مثلًا.


(١) وينطبق ذلك على أي نقود سلعية، حتى لو كانت جلد بعير، وليس على المعادن فقط. وهذه، في الواقع، حالة خاصة لما لاحظه غريشام منذ عدة قرون من أن النقد، الذي تكون قيمته الاصطلاحية أقل من قيمة المعدن الذي فيه، يطرد من السوق، لأن الناس سيذيبونه، ويبيعونه معدنًا
(٢) حاشية رد المحتار ج ٤ ص ٥٣؛ والمجموع ج ٩ ص ٣٠٩
(٣) رسالة تنبيه الرقود على مسائل النقود ص ٦٣

<<  <  ج: ص:  >  >>