للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإقبال الناس على التعامل بالعملة الجديدة هنا، هو مثل إقبالهم في الصورة الأولى مع ملاحظة أن جميع الأسعار، وكذا المستوى العام للأسعار، ستتغير بنسبة في سعر الصرف بين العملتين، وفي مثالنا (قرش جديد بقرشين من القديم) ، سيصبح سعر كل شيء نصف ما كان عليه بالعملة القديمة، وكذا يصبح المستوى العام للأسعار نصف ما كان عليه.

وإذا كانت العملة سلعية، فإن تسعيرها من قبل الحكومة، بأقل من قيمتها في السوق كسلعة، يجعل الناس يعدلون عن استعمالها النقدي، إلى استعمالها السلعي، فإذا لم يكن هنالك نقد غيرها - كما هي الفرضية في هذه الصورة - فإن أسعار السلع والخدمات سترتفع بالنسبة للعملة السلعية، إلى أن تصبح قيمتها السلعية مساوية لقيمتها الاصطلاحية، المفروضة من السلطان.

ويبدو – والله أعلم - أن ما ثبت في الذمة من ديون والتزامات، ثم حصلت له هذه الصورة من التغير في النقد، هو ما ينطبق عليه ما نقله الرهوني عن ابن رشد الجد، من أن الواجب هو المثل من العملة القديمة التي ثبتت في الذمة، وأن القول بغير ذلك لا يلتفت إليه لأنه "نقض لأحكام الإسلام، ومخالفة لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في النهي عن أكل المال بالباطل، ويلزم هذا القائل أن يقول ... إن السلطان إذا أبدل المكاييل، بأصغر أو أكبر، والموازين، بأنقص أو أوفى، وقد وقعت المعادلة بينهما بالمكيال الأول، أو بالميزان الأول، أنه ليس للمبتاع إلا بالكيل الأخير، وإن كان أصغر، وأن على البائع الدفع بالثاني أيضًا، وإن كان أكبر، وهذا مما لا خفاء في بطلانه، وبالله التوفيق" (١) .

ويتضح من ذلك، أن سداد الديون والالتزامات السابقة سيتم بالعملة الجديدة، لعدم وجود القديمة، ولكن بنسبتها من القديمة، فلو كان الدين في مثالنا بألف من القروش القديمة، لزم المدين خمسمائة من الجديدة، لأن القرش القديم يعدل نصف قرش جديد، وذكر ابن عابدين نحو ذلك على أنه من العرف الذي يعتبر كالمشروط.. وهكذا شاع في عرفهم، ولا يفهم أحد منه، أنه إذا اشترى بالقروش "أن الواجب عليه دفع عينها.. فيدفع مصاري، كل قرش بأربعين".. وكذا "يشترون سلعة بدينار ثم ينقدون ثلثي دينار محمودية أو ثلثي دينار وطسوج نيسابورية، قال يجري على المواضعة، ولا يبقى الزيادة دينًا عليهم" (٢) .

٣ - الصورة الثالثة:

منع السلطان التعامل بالنقد، مع وجوده في بلدان أخرى، وعدمه في البيوت وعند الصيارفة.

وتحصل هذه الصورة، بأن تكون عملة بلد معين رائجة، بين الناس، في بلد آخر، ثم يعمد سلطان البلد الآخر إلى منعها في بلده، وإصدار عملة خاصة به، أو الاكتفاء بعملة أخرى سابقة موجودة في التداول في ذلك البلد، مع شمول المنع للصيارفة والناس في بيوتهم، ولكن استمرار وجود العملة في بلدان أخرى يبقي على وجود قيمة سوقية لها، مما يجعل بعض الناس يتعاملون بها سرًا، رغم منع السلطان ذلك.

وهنا نلاحظ عدم وجود العملة، في التعامل بين الناس، رغم أنها ما تزال قائمة ومقبولة في بلد منشئها، وربما في بلدان أخرى أيضًا.


(١) الرهوني ج ٥ ص١١٩
(٢) تنبيه الرقود ص ٦٣

<<  <  ج: ص:  >  >>