للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا ما اعتبره فقهاء الأحناف عيبًا في المعاملة. فقد قال ابن عابدين: "فلو في بعضها (أي الكساد في بعض البلدان) لا يبطل (البيع) ، لكنه يتعيب إذا لم ترج في بلدهم، فيتخير البائع، إن شاء أخذه، وإن شاء أخذ قيمته" (١) ويبدو أن إعطاء الخيار للبائع هو على فرض أن سعر العملة الممنوعة قد رخص، ولكنه يمكن أن يحصل العكس أيضًا، فترتفع قيمة العملة الممنوعة لندرتها في البيوت وعند الصيارفة، أو لضخامة العقوبة التي يفرضها السلطان على من يحوزونها، فتكون المخاطرة بذلك كبيرة، فيرتفع السعر على قدر المخاطرة.

وفي هذه الحالة، فإن المسألة تحتاج إلى نظر فقهي، لبيان إمكان القول بتخيير البائع في حال رخص العملة المعقود عليها، أو تخيير المشتري في حال غلائها، وفي الحالتين، كلتيهما، فإن البدائل المخير بينهما هما: أخذ العملة، أو أخذ قيمتها يوم منعها، أو يوم الدفع، أو الشيء المبيع، أو قيمته، فسواء كان التخيير للبائع، أو للمشتري، فإن بديل القيمة يبقى أحد البدائل المطروحة للنظر.

٤ - الصورة الرابعة:

منع السلطان التعامل بالنقد مع وجوده في البيوت، وعند الصيارفة، وفي بلدان أخرى.

وهذه تشبه الصورة الثالثة، مع فارق السماح بالتعامل بالعملة الممنوعة عند الصيارفة، وهي ما ينطبق عليه – حرفيًّا - تعريف الأحناف للانقطاع، كما نقله ابن عابدين في حاشيته (٢) وهذه الصورة طبق عليها ابن عابدين نفس حكم الكساد، بالنسبة للفلوس، والدراهم التي غلب عليها الغش، فقال ببطلان العقد على رأي أبي حنيفة، ووجوب رد المبيع، لانعدام الثمن، وبوجوب القيمة (أي قيمة النقد، لا قيمة المبيع) ، من الذهب والفضة مع عدم بطلان البيع، عند محمد وأبي يوسف، ومع تحديد زمن القيمة بيوم الانقطاع عند محمد، وبيوم البيع، أو القبض في حالة القرض، عند أبي يوسف (٣) .


(١) حاشية ابن عابدين ج ٤ ص ٥٣٣
(٢) ولكنه ينبغي أن يذكر، أن تعريف ابن عابدين للانقطاع، يشمل عدة صور أخرى، لأنه في تعريف الانقطاع لم يشترط عدم وجود النقد في البيوت وعند الصيارفة، كما أنه لم يتعرض لوجوده أو عدمه في بلدان أخرى
(٣) حاشية ابن عابدين ج ٤ ص٥٣٣، وتنبيه الرقود ص ٥٨-٦٣

<<  <  ج: ص:  >  >>