للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما حجة محمد بن الحسن، فلأن المشتري لو دفع الثمن يوم الانقطاع لأجزأه، فوجب عليه قيمته يوم الانقطاع، قال ابن عابدين، نقلًا عن أصحاب المضمرات، والبحر، والحقائق "إنه هو المختار " في المذهب، لأنه أرفق بالناس (١) .

ولم يبين وجه الرفق هذا، وهو في نظري مهم لفهم تأثير التضخم.

وأرى وجه الرفق، أن المتعاملين، قد لحظا ما طرأ من تغير على قيمة الثمن، وتابعا ذلك يومًا فيوم، من زمن العقد، حتى يوم الانقطاع، وكان كل منهما يتوقع أن يتم الدفع، بالنقود المعقود عليها نفسها، أي يوم من هذه الأيام، فكان البائع يعرف أن حقه متعلق بالثمن بالنقد المعقود عليه، مهما كان سعره في السوق، إلى أن انقطع، ويوم الانقطاع توقفت توقعاته هذه، فكان الرفق بالمتعاملين أن تكون قيمة النقد الواجبة هي آخر ما علماه من السوق، وليكن المترتب في الذمة ثمن مبيع، فلا يخفى على العاقدين أن قيمة النقد قد ترتفع أو تهبط، لأن ذلك أمر يعرفه كل من في السوق، ومع ذلك فقد اتفقا على أجل محدد، وحددا الثمن –عددًا من الفلوس- على ما يرضيهما (٢) . ولكن معنى الإرفاق بالناس، قد لا يكون بهذا الوضوح، في حالة حدوث أمر طارئ، غير متوقع، مثل منع السلطان لنقد معين، كان رائجًا قبل ذلك التحريم

وثمة وجه آخر للإرفاق بالناس، فقد يكون عدم وجود العملة في الأسواق، مع وجودها عند الصيارفة مما يجعلها عزيزة، غالية الثمن، لا لقيمتها كعملة، وإنما لقيمتها كقطعة أثرية، نادرة. مما يجعل دفع المثل شاقًّاعلى المشتري، فاقتضى الرفق به، اعتبار سعرها في آخر يوم كانت فيه نقدًا يتداول في السوق، تجنبًا للارتفاع في سعرها الناتج عن أسباب غير نقدية.

ومن جهة أخرى، فإن وجود العملة الممنوعة عند الصيارفة، وفي البيوت، وفي بلدان أخرى، يعني أن منع السلطان التعامل بها ليس صارمًا، فقد منع التعامل بها في العقود، والمبايعات في الأسواق دون أن يمنع الصيارفة من التعامل بها، مما جعل للناس حرية الاحتفاظ بها في بيوتهم، الأمر الذي يعني أن لهذه العملة سعرًا في سوق الصيرفة، كما أنها موجودة، بحيث يمكن لمن يريدها أن يحصل عليها، فما هو إذن مقتضى منع السلطان للتعامل بها في هذه الصورة؟ إن التأمل في هذا السؤال يوحي بأن الإجابة عليه ليست بالمسألة الصعبة. فانعدامها من الأسواق – مع وجودها عند الصيارفة وفي البيوت - يدل على أن الثمن غير معدوم، إذ يمكن للمشتري، أن يشتريها من الصيارفة – وهو أمر غير مخالف لأمر السلطان - وينقدها للبائع، فما هو إذن أثر منعها من الأسواق؟ إن منعها من الأسواق سيؤدي إلى واحد من أمرين: إما أن يرتفع سعرها، لأنها تصبح بالمنع عزيزة، وبخاصة إذا كانت العملة قوية في البلدان الأخرى، وإما أن ينخفض سعرها لكثرة المعروض منها عند الصيارفة، مع زهد الناس بها بسبب عزوف التعامل عنها، الناتج عن المنع، ويحدث هذا بخاصة، إذا لم تكن قوية في بلدان أخرى.


(١) الحاشية ج ٤ ص٥٣٣، وتنبيه الرقود ص٥٨-٦٣
(٢) أما القرض، فإذا اعتبرنا ما يقوله الجمهور، من أن القرض حال، ليس له أجل، فإن الرفق بالناس، أن تعتبر القيمة يوم قبض القرض، أي على قول أبي يوسف لأن القرض حال متوقع سداده منذ إقراضه، هذا على التفسير المذكور لوجه الرفق، ومثله دين المماطل، لأنه دين حال، الأصل فيه أنه يتوقع سداده يوم حلوله

<<  <  ج: ص:  >  >>