للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الأسباب السلطوية، وهي الناشئة عن ممارسة السلطة، بفعل شيء، أو بعدم فعل شيء، فلم يكن لها وجود في ظل النقود القائم على المعادن الثمينة، فهي أسباب ترجع إلى طبيعة النظام النقدي الجديد، وتتعلق بخصائص النقود المعاصرة، وهذا أمر لم يكن موجودًا في الماضي، ويختلف اختلافًا جوهريًّا عن الرخص والغلاء في الذهب والفضة. مما يجعله يحتاج إلى نظر فقهي جديد، وحكم شرعي جديد، قد يختلف، أو لا يختلف، عن حكم الرخص والغلاء، الذي نجده في تراثنا الفقهي. (١)

٤- بعد الانتهاء من التزام الدولة بمقدار معين من الذهب، لقاء وحدة النقود التي تصدرها، ظهر في العالم نظامان رئيسيان، لتحديد علاقة النقد الوطني بالنقود الأخرى، نظام يقوم على حرية التحويل بين النقد الوطني والنقود الأجنبية، مع تدخل الدولة بشكل مباشر، أو غير مباشر، للاتجاه نحو سعر للصرف، تراه مناسبًا، ونظام يقوم على فرض سعر صرف رسمي، وعدم السماح بحرية التحويل، حيث تقوم السلطات النقدية بإدارة العلاقات النقدية الخارجية مباشرة.

ونجد أشكالًا متعددة من المواقف الحكومية في ظل كل من النظامين. ففي ظل حرية التحويل، قد تضع الحكومة سعرًا رسميًّا للصرف، بواحدة، أو أكثر من العملات الأجنبية، ثم تعمد إلى دعم هذا السعر، الذي قد تغيره من زمن لآخر، من خلال بيع وشراء العملة الأجنبية التي ربط بها النقد الوطني، وقد لا تضع الحكومة سعرًا رسميًّا على الإطلاق، فتترك لعوامل السوق وحدها تحديد السعر، وتعمد كثير من الحكومات أيضًا إلى وضع حدين، أعلى وأدنى، لأسعار الصرف وتسعى إلى المحافظة على هذه الأسعار، ضمن هذين الحدين، من خلال سياستها النقدية الخارجية.

أما عوامل السوق، التي تؤثر في تحديد سعر صرف نقد ما بآخر، فهي الاستيراد والتصدير لسلع، والخدمات، ورؤوس الأموال، إضافة إلى مدى استعمال النقد الوطني كعملة احتياطيات نقدية عالمية، كما هو الشأن بالنسبة للدولار الأمريكي.


(١) على الرغم من أن غش الفلوس، وفرض سعر صرف لها يزيد عن ثمن معدنها، وكذا غش الدراهم والدنانير، كان معروفًا وقد يكون ذلك بممارسة سلطوية من الحاكم، إلا أنه لم يكن الأصل، بل كان الاستثناء، وكان وجود الأنواع المتعددة من النقود يمنع استشراءه. وفضلًا عن ذلك، فالغش نفسه، لا يلغي كلفة إصدار النقود –كما هو في النقود المعاصرة، بل يقللها وبنسبة غير كبيرة بطبيعة الحال.

<<  <  ج: ص:  >  >>