للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن أن يكون الجسد حي والصدر يعلو وينخفض والنَّفَسُ يتردد والقلب ينبض والأعضاء والغدد تعمل وكل شيء حي، ما عدا المخ كما يقال، ثم يأتي من يقول: إن الإنسان قد مات، وهو ما زال راقدًا وفيه ما فيه من الحياة هذا أمر غريب لم يقل به فقيه أو حتى طبيب إلى اليوم احترامًا للحياة وللإنسان وللآدمية، إلا إذا أطلق عليه أنه ميت باعتبار ما يؤول إليه، وما يكون من أمره بعد وقت بعينه.

والأحكام الإسلامية دائمًا تبنى على التحري لا على الشك وخصوصًا في مثل هذه الحالات فنرى مثلًا في إجراء أحكام الميت على المفقود في سفر أو في جهاد أو حرب أو غير ذلك، فإنه ينتظر مدة معينة حددها الفقهاء للتأكد من موته أو لغلبة الظن بحسب عادة الناس أنه لا يعيش بعد هذه المدة، ثم يعلنون موته، فتعتد امرأته ويقسم ماله ويؤخذ فيه العزاء إلى غير ذلك.

الشريعة وكرامة النفس الآدمية:

قررت الشريعة الإسلامية في كثير من النصوص حرمة النفس البشرية، كما أعلت شأنها ورفعت قدرها، فقال سبحانه {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} .

وقد أكدت الشريعة حرمة الاعتداء على النفس البشرية بما لم يسبق إليه فقال تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} .

ورتب الإسلام عقوبات رادعة لكل من تخول له نفسه الجناية عليها، ولم يكتف بمضاعفة الإثم والوعيد بالعذاب الأليم والخلود في الجحيم لقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} النساء ٩٣، وإنما رتب على ذلك عقوبات دنيوية رادعة أيضًا، وهذه العقوبات وإن اختلفت حسب العمد أو الخطأ أو النية إلا أنها مغلظة في كل أحوالها ويصاحبها مع ذلك القصاص أو الدية، كل ذلك حفاظًا على النفس لما لها من كرامة وحقوق وحرمة.

ومما يجب أن يذكر في هذا المجال اتفاق فقهاء المسلمين على أن للجنين حرمة من حين نفخ الروح فيه، لما في ذلك من إزهاق نفس محترمة بغير حق، هذا وقد ارتفعت شفافية بعض الفقهاء فقالوا بحرمة البويضة الملقحة وحرمة النطفة حتى قبل نفخ الروح فيها، لأنها بويضة وبذرة آدمي له حرمته وكرامته.

<<  <  ج: ص:  >  >>