للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمثلة على سد الذرائع:

قلنا فيما مضى: إن الفقهاء متفقون على القول بسد الذرائع، إلا أنهم متفاوتون في الأخذ بها قلة وكثرة وبين اعتبارها أحد المصادر التبعية في الشريعة الإسلامية أو عدم اعتبارها، يجدر بنا أن نذكر شواهد في إعمال سد الذرائع عند الفقهاء رحمهم الله تعالى.

الفقه المالكي:

شواهد إعمال سد الذرائع عند المالكية أكثر من أن تحصى، حيث إنهم أعملوه في استنباطاتهم وتخريجاتهم في جميع أبواب الفقه، وبالغوا في ذلك حتى عد سد الذرائع من خصوصيات هذا المذهب، ومن أبرز تطبيقات سد الذرائع عند المالكية منعهم للعقود التي تتخذ ذريعة إلى أكل الربا، وهو ما يعرف عندهم ببيوع الآجال، من ذلك ما إذا باع رجل سلعة لآخر إلى أجل، ثم اشتراها منه قبل الأجل نقدًا بأقل من الثمن أو إلى أبعد من ذلك الأجل بأكثر من ذلك الثمن، فعند مالك وجمهور أهل المدينة أن ذلك لا يجوز، وجه منعه اعتبار البيع الثاني بالبيع الأول، فيتهم المتعاقدان من أن يكونا قد قصدًا بذلك دنانير في أكثر منها إلى أجل، وهو الربا المنهي عنه فزورًا لذلك هذه الصورة ليتوصلًا بها إلى الحرام، وصار العقد بمثابة ما لو قال رجل لآخر: أسلفني عشرة دنانير إلى شهر وأرد إليك عشرين دينارًا، فكما أن الصيغة هنا صيغة ربا، كذلك الحال في الصيغة الأولى (١) .

ومن ذلك منعهم بيع مدّين من تمر وسط بمُدّين من تمر أحدهما أعلى من الوسط والآخر أدون منه، فإن الإمام مالكًا يمنع مثل هذا البيع؛ لأنه يتهم البائع أن يكون قد قصد من ذلك أن يدفع مُدّين من الوسط في مدّ من التمر الجيد، فجعل معه الرديء ذريعة إلى تحليل ما لا يجب من ذلك (٢) .


(١) ابن رشد في بداية المجتهد ٢/١٤٥
(٢) ابن رشد في بداية المجتهد ٢/ ١٤٣

<<  <  ج: ص:  >  >>