المبحث الرابع
أقسام الذرائع بحسب القطع بتوصيلها إلى الحرام
وعدم القطع ومدى الوفاق أو الخلاف بينها
أحكامها وشروطها:
لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها كانت طرقها وأسبابها تابعة لها مقيدة بها.
فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها ... وسيلة المقصود تابعة للمقصود وكلاهما مقصود.. لكنه مقصود قصد الغايات وهي مقصودة قصد الوسائل.
هذا والفعل أو القول المفضي إلى المفسدة قسمان:
أحدهما: أن يكون وضعه للإفضاء إليها كشرب الخمر المفضي إلى مفسدة السكر. وكالقذف المفضي إلى مفسدة الفرية. والزنى المفضي إلى اختلاط المياه وفساد الفراش ونحو ذلك. فهذه أفعال وأقوال وضعت مفضية لهذه المفاسد وليس لها ظاهر غيرها.
والثاني: أن تكون موضوعة للإفضاء إلى أمر جائز أو مستحب فيتخذ وسيلة إلى المحرم وإما بقصده أو بغير قصد منه.
فالأول: كمن يعقد النكاح قاصدًا به التحليل.
والثاني: كمن يصلي تطوعًا بغير سبب في أوقات النهي، أو يسب أرباب المشركين بين أظهرهم ... ونحو ذلك. إلى أن قال فهاهنا أربعة:
الأول: وسيلة موضوعة للإفضاء إلى المفسدة.
الثاني: وسيلة موضوعة للمباح قصد بها التوسل إلى المفسدة.
الثالث: وسيلة موضوعة للمباح لم يقصد بها التوسل إلى المفسدة لكنها مفضية إليها غالبًا ومفسدتها أرجح من مصلحتها. كالصلاة في أوقات النهي ومسبة آلهة المشركين بين أظهرهم.
الرابع: وسيلة موضوعة للمباح وقد تفضي إلى المفسدة ومصلحتها أرجح من مفسدتها. ومثاله النظر إلى المخطوبة، والمستامة والمشهود عليها وفعل ذوات الأسباب في أوقات النهي (١) .
حكم هذا القسم: إن الشريعة جاءت بإباحة هذا القسم أو استحبابه أو إيجابه بحسب درجاته في المصلحة. وجاءت بالمنع من القسم الأول كراهة أو تحريمًا بحسب درجاته في المفسدة.
(١) ابن القيم: الإعلام ج٣ ص١٤٧ ـ ١٤٨