للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شواهد سد الذرائع عند الشافعية:

من الأمثلة على العمل بمبدأ سد الذرائع عند فقهاء الشافعية:

١- إخفاء الجماعة للمعذورين في ترك الجمعة:

قال النووي: قال الشافعي والأصحاب: يستحب للمعذورين الجماعة في ظهرهم.

وحكى الرافعي أنه لا يستحب لهم الجماعة لأن الجماعة المشروعة هذا الوقت: الجمعة.

قال النووي: والمذهب الأول كما لو كانوا في غير البلد، فإن الجماعة تستحب في ظهره بالإجماع، وقال: فعلى هذا قال الشافعي: أستحب لهم إخفاء الجماعة لئلا يتهموا في الدين وينسبوا إلى ترك الجماعة تهاونًا (١) .

٢- المفطر بعذر في رمضان لا يجهر بفطره:

قال في المهذب: فإن قدم المسافر وهو مفطر، أو برئ المريض وهو مفطر أستحب لهما إمساك بقية النهار لحرمة الوقت ولا يجب ذلك لأنهما أفطرا بعذر، ولا يأكلان عند من لا يعرف عذرهما لخوف التهمة والعقوبة (٢) .

٣- تضمين الأجير المشترك: جاء في الأم: قال الربيع: الذي يذهب إليه الشافعي فيما رأيت أنه لا ضمان على الصناع إلا ما جنت أيديهم ولم يكن يبوح بذلك خوفًا من الضياع.

وهذا من الشافعي رحمه الله ظاهره العمل بسد الذرائع حيث امتنع عن فتوى الناس بما يرى صحته، حتى لا يتخذها الفجار ذريعة لتضييع الأموال بالتهاون في حفظها والعناية بها (٣) .

٤- إقرار المحجور عليه بالدين: مما يصدق عليه العمل بسد الذرائع عند فقهاء الشافعية حكمهم بعدم لزوم إقرار المحجور عليه بدين لزمه قبل الحجر في حق الغرماء لأنه قد يتخذه ذريعة إلى التصرف بأمواله عن مواطأة وحيلة.

قال الشيرازي في المهذب: وإن أقر ـ يعني المحجور عليه ـ بدين لزمه قبل الحجر لزوم الإقرار في حقه. وهل يلزم في حق الغرماء؟ فيه قولان.

أحدهما: لا يلزم لأنه متهم؛ لأنه ربما واطأ المقر له ليأخذ ما أقر به ويرد عليه.

والثاني: أنه يلزمه وهو الصحيح (٤) .

والملاحظ هنا أن الذريعة والتهمة علل بها على القول المقابل الصحيح.

٥- قضاء القاضي بعلمه: قال في الأم: إذا كان القاضي عدلًا فأقر بين يديه بشيء كان الإقرار عنده أثبت من أن يشهد عنده كل من يشهد.

وجهه: لأنه قد يمكن أن يشهدوا عنده بزور، والإقرار عنده ليس فيه شك.

وأما القضاء اليوم فلا أحب أن أتكلم بهذا كراهية أن أجعل لهم تسهيلًا إلى أن يجوروا على الناس (٥) .

٦- حرمان القاتل من الميراث:

قال في المذهب: ج١٥ ص٢١٦ ـ اختلف أصحابنا فيمن قتل مورثه:

فمنهم من قال: إن كان القتل مضمونًا لم يرثه؛ لأنه قتل بغير حق، وإن لم يكن مضمونًا ورثه؛ لأنه قتل بحق، فلا يحرم به الإرث.

ومنهم من قال: إن كان متهما كالمخطئ، أو حاكمًا فقتله في الزنى بالبينة لم يرثه؛ لأنه متهم في قتله لاستعجال الميراث. وإن كان غير متهم ـ بأن قتله بإقراره بالزنى ـ ورثه. لأنه غير متهم لاستعجال الميراث.

ومنهم من قال لا يرث القاتل بحال ـ وهو الصحيح، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يرث القاتل شيئًا)) (٦) .

ولأن القاتل حرم الإرث حتى لا يجعل ذريعة إلى استعجال الميراث، فوجب أن يحرم بكل حال سدا للباب.

والذي يظهر من هذه الأمثلة وسواها أن الشافعية إذا ذكروا التهمة والذريعة فإنما يذكرونها من باب الاستئناس لا من باب الاستدلال، وعلى سبيل الاستحباب أو الحيطة، لا على سبيل المنع أو الالتزام، حيث أننا نجد لهم في كل مسألة ذكروا فيها الذرائع، دليلًا آخر هو عمدتهم فيه (٧) .


(١) المجموع: ج٤ ص ٣٦٣
(٢) المجموع: ج٦ ص ٢٨٧
(٣) الأم: ج٣ ص٢٦٤
(٤) المهذب: ج١٣ ص٢٨٥
(٥) الأم: ج٧ ص٤٤
(٦) الترمذي ج٣ ص٢٨٨؛ وابن ماجة ج٢ ص٨٨٣ وأبو داود ج٢ ص٤٩٦
(٧) البغا: أثر الأدلة المختلف فيها ص ٥٩٢

<<  <  ج: ص:  >  >>