للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: ما يكون أداؤه إلى المفسدة كثيرا لا نادرًا، ويغلب على الظن إفضاؤه إلى الفساد، كبيع السلاح إلى أهل الحرب، وبيع العنب إلى الخمار ونحوهما. وهذا هو الكثير الغالب.

وحكمه أنه يلحق الظن الغالب بالعلم القطعي لأمور:

١- أن الظن في الأحكام العملية يجري مجرى العلم، فالظاهر جريانه هنا.

٢- نص الشارع على سد الذرائع كما سيأتي بيانه، وهذا القسم داخل في مضمون النص؛ لأن معنى " سد الذائع " هو الاحتياط للفساد، والاحتياط يوجب الأخذ بغلبة الظن.

٣- إن إجازة هذا النوع فيه تعاون على الإثم والعدوان والمنهي عنه.

٤- أن يكون أداؤه إلى المفسدة كثيرًا، لا غالبًا ولا نادرًا، كبيوع الآجال، فإنها تؤدي إلى الربا كثيرًا لا غالبًا، وهذا موضع نظر والتباس، فإما أن ينظر إلى أصل الإذن بالبيع، فيجوز، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة؛ لأن العلم أو الظن بوقوع المفسدة منتفيان، إذ ليس هنا إلا احتمال مجرد بين الوقوع وعدمه، ولا قرينة ترجح أحد الجانبين على الآخر، ولا يبنى المنع إلا على العلم أو الظن، وأيضًا لا يصح أن نحمل عمل العامل وزرا لمفسدة لم يقصدها، ولم يكن مقصرًا في الاحتياط لتجنبها، لأنها ليست غالبة، وإن كانت كثيرة.

وإما أن ينظر إلى كثرة المفاسد، وإن لم تكن غالبة، فيحرم، وهذا هو مذهب مالك وأحمد، لأسباب ثلاثة:

ا- أنه يراعي كثرة وقوع القصد إلى الربا في هذه البيوع، أما القصد نفسه فلا ينضبط، أما إنها مظنة الوقوع فقد تتخلف المفسدة في حالة من الحالات، وكثرة وقوع المفاسد مع قابلتيها للتخلف يجعلها قريبة الوقوع، ويجب الاحتياط لها في العمل، إذ إن كثرة المفاسد في باب الاحتياط تصل إلى درجة الأمور الظنية الغالبة، أو المعلومة علميًا قطعيًا في مجاري العادات، لأنها تشارك حال غلبة الظن، وحال العلم في كثرة المفاسد المترتبة، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.. وقد اعتبرت الكثرة في حديث أم ولد زيد بن أرقم الذي سيذكر في حجية الذرائع.

<<  <  ج: ص:  >  >>