للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-أحكام الذرائع:

المهم في بيان أحكام الذرائع تخصيصها بالذرائع بالمعنى الخاص: وهي الوسائل الجائزة المؤدية إلى ممنوع في النوع الأهم من أنواع الذريعة بالمعنى العام، وهي محل النزاع أو الخلاف بين العلماء كما سيأتي بيانه.

أما حكم الذرائع بالمعنى العام (وهي الوسيلة الجائزة المؤدية إلى الجائز الممنوع وبالعكس) فقد عرفنا أن القرافي حكم عليها بأن وسيلة المحرم محرمة، ووسيلة الواجب واجبة، كالسعي للجمعة والحج، لكن ابن الشاط في حاشيته على الفروق (١) لا يسلم له هذا الإطلاق ويصحح القول بعدم لزومه فيقول: (جميع ما قاله في هذا الفرق صحيح غير ما قاله منه أن حكم الوسائل حكم ما أفضت إليه من وجوب أو غيره، فإن ذلك مبني على قاعدة أن: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والصحيح أن ذلك غير لازم فيما لم يصرح الشرع بوجوبه والله تعالى أعلم) .

وكذلك القرافي نفسه ذكر تحت عنوان (تنبيه) بعد كلامه السابق (٢) : القاعدة أنه كلما سقط اعتبار المقصد، سقط اعتبار الوسيلة، فإنها تبع له في الحكم، وقد خولفت هذه القاعدة في الحج، في إمرار الموس على رأس من لا شعر له، مع أنه وسيلة إلى إزالة الشعر، فيحتاج أي دليل يدل على أنه مقصود في نفسه، وإلا فهو مشكل على القاعدة.

وفي (تنبيه) أخر يقول القرافي: قد تكون وسيلة المحرم غير محرمة إذا أفضت إلى مصلحة راجحة، كالتوسل إلى فداء الأسارى بدفع المال للكفار الذي هو محرم عليهم الانتفاع به، بناء على أنهم مخاطبون بفروع الشريعة عندنا، وكدفع مال لرجل يأكله حرامًا، حتى لا يزني بامرأة إذا عجز عن دفعه عنها إلا بذلك، وكدفع المال للمحارب حتى لا يقع القتل بينه وبين صاحب المال عند مالك رحمه الله تعالى، ولكنه اشترط فيه أن يكون يسيرًا، فهذه الصور كلها الدفع وسيلة إلى المعصية بأكل المال، ومع ذلك فهو مأمور به لرجحان ما يحصل من المصلحة على هذه المفسدة.


(١) الفروق، حاشية ابن الشاط عليه: ٢/٣٢
(٢) الفروق ٢/٣٣

<<  <  ج: ص:  >  >>