للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وموطن النزاع أو الخلاف ـ على الوجه الأدق في الذرائع ـ ليس في البيوع التي يظهر فيها القصد إلى الربا، فإن ذلك لا يجوز بحال، وإنما الخلاف هو في الحالة التي لم يظهر منها القصد إلى الممنوع.

فالمالكية والحنابلة: يبطلون هذه البيوع؛ لأن العقد نفسه يحمل الدليل على قصد الربا، إذ إن مآل هذا التعاقد هو بيع خمسة نقدًا بعشرة إلى أجل، والسلعة فيما بين ذلك لغو لا معنى له.

وأما أبو حنيفة: فهو وإن لم يقل بحكم الذرائع، إلا أنه يبطل هذه البيوع على أساس آخر، وهو أن الثمن إذا لم يستوف وتم قبض السلعة لم يتم البيع الأول، فيصير الثاني مبنيًا عليه، أي إنه ليس للبائع الأول أن يشتري شيئًا ممن لم يتملكه، فيكون البيع الثاني فاسدًا، ويؤول الأمر إلى بيع خمسة في عشرة لأجل، وهو ربا فضل ونساء معا، فيصبح العقد الثاني فاسدًا؛ لأن فيه معنى الربا. كما أن أبا حنيفة في غير العقار لا يجيز بيع الشيء قبل قبضه، فليس للمشتري أولا أن يبيع الشيء إلى البائع أو لا أو إلى غيره قبل قبض المبيع في حالة البيع قبل القبض.

وأما الشافعي: فيصحح هذه البيوع في الظاهر قضاء، لاكتمال الأركان والشروط، ويترك ناحية القصد الباطن (أي النية الخبيثة والباعث السيئ) إلى الإثم والعقاب الأخروي إلى الله الذي يحاسب العباد على السرائر والنيات الأئمة، بمعنى أن العقد حرام للنهي عنه، لكن النهي لا يبطل العقد في كل بيع يؤدي إلى مفسدة، وكذا كل تصرف يفضي إلى معصية، ما دام مستوفيًا أركانه وشروطه الصحيحة، فالعقدان صحيحان في الظاهر، حتى يقوم الدليل على قصد الربا المحرم (١) .


(١) مغني المحتاج ٢/٣٧ ـ٣٨

<<  <  ج: ص:  >  >>