للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخلاصة: ينظر الشافعي إلى صورة البيع، ويحمل الأمر على ظاهره فيجوز ذلك، فكل ما لم يكن مشروطًا في العقد، فهو جائز عند الشافعية. ويؤيد هذا التحقيق لموضع الخلاف ما قاله القرطبي والقرافي المالكيان. قال القرطبي (١) . سد الذرائع ذهب إليه مالك وأصحابه، وخالفه أكثر الناس تأصيلًا، وعملوا عليه في أكثر فروعهم تفصيلًا.

ثم قرر موضع الخلاف فقال: اعلم أن ما يفضي إلى الوقوع في المحظور، إما أن يفضي إلى الوقوع قطعًا أولا، الأول: ليس من هذا الباب، بل من باب ما لا خلاص من الحرام إلا باجتنابه، ففعله حرام من باب: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. والذي لا يلزم (أي إفضاؤه إلى الوقوع في المحظور قطعاً) : إما أن يفضي إلى المحظور غالبًا أو ينفك عنه، أو يتساوى الأمران، وهو المسمى بالذرائع عندنا، فالأول: لا بد من مراعاته والثاني والثالث: اختلف الأصحاب فيه، فمنهم من يراعيه، وربما يسميه: التهمة البعيدة، والذرائع الضعيفة.

وقال القرافي (٢) : مالك لم ينفرد بذلك ـ أي بسد الذرائع ـ بل كل أحد يقول بها، ولا خصوصية للمالكية بها إلا من حيث زيادتهم فيها. وأضاف قائلًا: فإن من الذرائع ما هو معتبرة بالإجماع، كالمنع من حفر الآبار في طريق المسلمين، وإلقاء السم في طعامهم، وسب الأصنام عند من يعلم من حاله أنه يسب الله تعالى حينئذ.

ومنها: ما هو ملغي إجماعًا، كزراعة العنب، فإنها لا تمنع خشية الخمر، وإن كان وسيلة إلى المحرم.

ومنها: ما هو مختلف فيه، كبيوع الآجال، فنحن لا نغتفر الذريعة فيها، وخالفنا غيرنا في أصل القضية أنا قلنا بسد الذرائع أكثر من غيرنا، لا أنها خاصة بنا.

وقال: وبهذا تعلم بطلان استدلال أصحابنا على الشافعية وفي هذه المسألة بقوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: ١٠٨] وقوله: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} [البقرة: ٦٥] فقد ذمهم لكونهم تذرعوا للصيد يوم السبت المحرم عليهم بحبس الصيد يوم الجمعة. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقبل شهادة خصم وظنين)) (٣) . خشية الشهادة بالباطل، ومنع شهادة الآباء للأبناء (٤) .

ثم قال وإنما قلنا: إن هذه الأدلة لا تفيد في محل النزاع، لأنها تدل على اعتبار الشرع سد الذرائع في الجملة، وهذا أمر مجمع عليه، وإنما النزاع في ذريعة خاصة، وهو بيوع الآجال ونحوها، فينبغي أن يذكروا أدلة خاصة بمحل النزاع.


(١) إرشاد الفحول للشوكاني: ص٢١٧، البحر المحيط للزركشي ٦/٨٢، ط. الكويت
(٢) الفروق ٢/٣٢، ٣/٢٦٦، تهذيب الفروق ٢/٤٢، إرشاد الفحول ص٢١٧
(٣) رواه مالك في الموطأ موقوفًا على عمر، وهو منقطع، رواه أبو داود والبيهقي مرسلًا ورواه الحاكم عن أبي هريرة مرفوعًا، وفي إسناده نظر (نيل الأوطار ٨/٢٩١)
(٤) رواه الخصاف أبو بكر الرازي عن عائشة وفي مصنف ابن أبي شيبة وعبد الرزاق هو من قول شريح: (لا تجوز شهادة الابن لأبيه، ولا الأب لابنه، ولا المرأة لزوجها. ولا الزوج لامرأته)

<<  <  ج: ص:  >  >>