للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-أدلة البيوع الربوية:

البيوع الربوية أو بيوع الآجال تسمى أيضًا بيوع العينة، وإن فرق بينها المالكية في الاصطلاح كما تقدم؛ لأنه يتوسط في التعامل بالربا عين (سلعة) كأن يبيع الشخص عينا، كأرز أو سكر بثمن مؤجل، ثم يبيعها المشتري لبائعها بثمن معجل أقل، فيكون الفرق ربا، وقد استدلوا على تحريم هذه البيوع بسد الذرائع للربا، وبحديث تكلم بعض العلماء في سنده، وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا ضمن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر ـ أي اشتغلوا بالزراعة ـ وتركوا الجهاد في سبيل الله، أنزل الله عليهم بلاء، فلا يرفعه، حتى يراجعوا دينهم)) (١) .

وأضاف المالكية دليلين آخرين وهما:

١- إن هذه البيوع، وإن كانت على صورة بيع جائز في الظاهر، إلا أنها لما كثر قصد الناس التوصل إلى ممنوع في الباطن، كبيع بسلف، وسلف بمنفعة، منعت قياسًا إلى الذرائع المجمع على منعها، بجامع أن الأغراض الفاسدة في كل، هي الباعثة على عقدها؛ لأنه المحصل لها.

٢- بحديث ذكره مالك في الموطأ، وهو (أن أم ولد زيد بن أرقم قالت لعائشة رضي الله عنها: يا أم المؤمنين إني بعت من زيد بن أرقم عبدًا بثمانمائة درهم إلى العطاء، واشتريته منه بستمائة نقدًا، فقالت عائشة رضي الله عنها: بئس ما شريت، وبئس ما اشتريت، أخبري زيد بن أرقم أنه أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب، قالت: أرأيتني إن أخذته برأس مالي؟ فقالت عائشة رضي الله عنها: فمن جاءه موعظة من ربه، فانتهى فله ما سلف، وأمره إلى الله) (٢) .

فهذه صورة النزاع (٣) ، قال القرافي: وهذا التغليظ العظيم لا تقوله رضي الله عنها إلا عن توقيف، فتكون هذه الذرائع واجبة السد، وهو المقصود.

وقال ابن رشد في المقدمات الممهدات: وهذه المبايعة كانت بين أم ولد زيد بن أرقم ومولاها قبل العتق، فيخرج قول عائشة على تحريم الربا بين السيد وعبده مع القول بتحريم هذه الذرائع، ولعل زيدا لا يعتقد تحريم الربا بين السيد وعبده (٤) .


(١) رواه أحمد وأبو داود والطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما، وفي إسناده مقال، ولأحمد من رواية عطاء، ورجاله ثقات، وصححه ابن القطان (سبل السلام ٣/٤١، نيل الأوطار (٥ (٢٠٦) وتعقب ابن حجر تصحيح ابن القطان بأن فيه الأعمش وهو مدلس.
(٢) رواه عبد الرزاق في مصنفه عن عائشة، ورواه أيضًا الدارقطني، وقال الشافعي: لا يصح (نيل الأوطار، المكان السابق)
(٣) الفروق ٣/٢٦٧
(٤) المقدمات الممهدات ٢/٥٤، ط دار الغرب الإسلامي، إرشاد الفحول ص٢١٧

<<  <  ج: ص:  >  >>