للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-أدلة الشافعية:

أجاب الزركشي من الشافعية على أدلة المالكية بأن عائشة قالت ذلك باجتهاد، واجتهاد واحد من الصحابة لا يكون حجة على الآخر بالإجماع، ثم قولها معارض بفعل زيد بن أرقم، ثم إنها أنكرت البيع لفساد التعيين، فإن البيع الأول فاسد بجهالة الأجل؛ لأن وقت العطاء غير معلوم، والثاني بناء على الأول، فيكون فاسدًا (١) .

ثم انتقل الشافعية من منع أدلة المالكية في الجملة إلى إثبات مدعاهم، فقالوا: وإذا اختلف الصحابة كما ذكر، فمذهبنا القياس، واحتجوا بثلاثة أدلة:

١- قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] فهذا يقتضي إباحة البيع الصحيح ومشروعيته. وأجابهم القرافي (٢) . بأن هذا النص عام، وما استدل به المالكية من حديث عائشة خاص، والخاص مقدم على العام، على ما تقرر في علم الأصول.

٢- ثبت في السنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتى بتمر جنيب ـ نوع جيد من أنواع التمر ـ فقال: أتمر خيبر كله هكذا؟ فقالوا: إنا نبتاع الصاع بالصاعين من تمر الجمع، فقال عليه الصلاة والسلام: لا تفعلوا هذا، ولكن بيعوا تمر الجمع بالدراهم، واشتروا بالدراهم جنيبًا)) (٣) فهذا بيع صاع بصاعين، وإنما توسط بينهما عقد الدراهم، فأبيح.

وأجاب القرافي: بأن المالكية يمنعون أن يكون العقد الثاني من البائع الأول، وليس ذلك مذكور في الخبر، مع أن بيع العقد إذا تقابضا فيه ضعفت التهمة، وإنما المنع حيث تقوى التهمة.

٣- إن العقد المفضي للفساد لا يكون فاسدًا إذا صحت أركانه، كبيع السيف من قاطع الطريق، والعنب من الخمار، مع أن الفساد في قطع الطريق أعظم من سلف جر نفعًا، لما فيه من ذهاب النفوس.

وأجاب القرافي: بأن محل ذلك إذا لم تكن الأغراض الفاسدة هي الباعثة على العقد، وإلا منع كما في عقود صور النزاع، وهناك فرق بين هذه البيوع وبيع السيف من قاطع الطريق ونحوه، فإن البيع للقاطع ليس محصلًا لقطع الطريق وعمل الخمر، إذ الفساد ليس مقصودًا مع البيع بالذات، حتى يكون باعثًا على عقده كصورة النزاع.


(١) البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي، ٦/٨٤ ط وزارة الأوقاف بالكويت، إرشاد الفحول ص ٢١٧
(٢) الفروق ٣/٢٦٨
(٣) متفق عليه بين البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما والجنيب: الطيب أو الصلب أو الذي أخرج منه حشفه ورديئه، وتمر الجمع: هو التمر الرديئ، المجموع من أنواع مختلفة (سبل السلام ٣/٣٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>