للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذريعة كما يجب سدها يجب فتحها، وتكره، وتندب، وتباح، ويترتب على الأخذ بمبدأ أو أصل سد الذرائع حسم وسائل الفساد، أي قطعها نهائيًا، ومنع الجائز المؤدي إلى المحظور؛ لأن الشرع نهى عن المفاسد ذاتها، ونهى أيضًا عن كل أمر يتضمن منفعة، لكنه يفضي إلى المفسدة، ولو من غير إرادة المكلف، كشرب الخمر المؤدي إلى السكر، فإنه أمر منهي عنه لذاته، فيحرم القليل منها والكثير؛ لأن القليل شرعًا وطبًا ذريعة إلى الكثير، فما الإدمان وتعلق الإنسان بالمسكر إلا بسبب تناول الشراب بين الفينة والأخرى، ولو من غير إرادة من الشارب، بسبب تلوث الدم بالكحول.

وهناك فرق بين الذريعة والسبب؛ لأن السبب يترتب عليه مسببه حتمًا، أما الذريعة فركنها الإفضاء للنتيجة، ولا تستلزم وجود المتوسل إليه، فإما أن يتم الإفضاء فعلًا، كعصر الخمر من العنب المبيع للخمار، وإما أن يقدر وجود الإفضاء تقديرًا، من غير أن يفضي بالفعل، ويحدد ذلك عنصر القصد، أو كثرة اتخاذ الوسيلة جسرًا موصلًا للحرام، أو كون الوسيلة قابلة من نفسها لاتخاذها وسيلة للإفضاء بها إلى المتوسل إليه، كسب آلهة المشركين بين ظهرانيهم، فإنه ذريعة لسب الإله الحق أو القرآن أو النبي صلى الله عليه وسلم.

ولا فرق عند المالكية بين سد الذرائع وتحريم الوسائل، فهما في المعنى سواء، وفرق بينهما بعض الشافعية قائلين بتحريم الوسائل التي تستلزم المتوسل إليه، وهي المعتبرة بالإجماع، كحفر الآبار في طريق المسلمين وإلقاء السم في طعامهم، ولكنهم لا يقولون بسد الذرائع.

ورتب العلماء على أصل سد الذرائع منع الحيل في الشريعة، فإن تجويز الحيل يناقض القول بسد الذرائع وتبطل كل الحيل التي تؤدي إلى إسقاط حق، أو تسويغ محرم، أو إسقاط شرط حرمه الشارع؛ لأن هذه مطلوبات وإهمالها محرم، وكل ما يؤدي إلى المحرم يكون محرمًا، ولو كان في أصل ذاته مباحًا، وكذلك اتخاذ الحرام كالرشوة والخيانة وشهادة الزور سبيلًا للوصول إلى الحلال لا يجوز؛ لأن هذه الأمور حرام لذاتها، والمفسدة المترتبة عليها أشر من مفسدة ضياع الحق الفردي لأحد الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>