للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرافي: (وموارد الأحكام على قسمين: مقاصد وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها، ووسائل وهي الطرق المفضية إليها، وحكمها كحكم ما أفضت إليه من تحليل أو تحريم، غير أنها أخص رتبة من المقاصد في حكمها.

فالوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل، وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل، وإلى ما هو متوسط متوسطة) (١) . ومثل للذريعة التي تفضي إلى مصلحة بقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: ١٢٠] .

وأما الذريعة التي تفضي إلى المفسدة فمن أمثلتها قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: ١٠٨] .

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه)) قيل: وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: ((يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه.)) أخرجه البخاري واللفظ له عن ابن عمر مرفوعاً (٢) .

وأخرجه مسلم ولفظه: (من الكبائر شتم الرجل والديه) قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: (نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه) (٣) .

قال في الفتح: (قال ابن بطال: هذا الحديث أصل في سد الذرائع ويؤخذ منه أن من آل فعله إلى محرم يحرم عليه ذلك الفعل، وإن لم يقصد إلى ما يحرم. (٤))

أما سد الذرائع فمعناه الحيلولة دون الوصول إلى المفسدة أي حسم مادة وسائل الفساد دفعًا له، فأي فعل كان بمفرده سالمًا من الفساد، فإنه إذا كان وسيلة إلى ارتكاب مفسدة واقتراف إثم أصبح ممنوعاً (٥) . يجب تجنبه والابتعاد عنه وسد الباب دونه (٦) . وبالمقابل فإن الوسيلة ـ كما أسلفنا ـ إذا كانت تفضي إلى مصلحة يشرع فتحها؛ فيجب فتحها إلى الواجب، ويندب إلى المندوب، ويباح إلى المباح (٧) .

وسنتعرض لذلك بالتفصيل عن كلامنا على أنواع الذرائع إن شاء الله.


(١) تنقيح الفصول ص ٤٤٩
(٢) صحيح البخاري ٥/٢٢٢٨
(٣) صحيح مسلم ١/٩٢
(٤) فتح الباري ١٠/ ٣٣٨
(٥) نشر البنود على مراقبي السعود ٢/٢٦٥
(٦) نشر البنود على مراقبي السعود ٢/٢٦٥
(٧) نشر البنود على مراقبي السعود ٢/٢٦٥

<<  <  ج: ص:  >  >>