للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب- تقسيم الشاطبي للذرائع:

قسم الشاطبي الذرائع باعتبار ما تؤدي إليه وما يترتب عليها من مفسدة أو مصلحة فجعلها ثلاثة أنواع، إلا أن أحد أنواعها على وجهين فصارت عنده في الواقع أربعة أنواع:

١- نوع يكون أداؤه إلى المفسدة قطعيًا كحفر بئر خلف باب الدار بحيث إذا مر بها المار في الظلام وقع فيها لا محالة، فهذه البئر إذا كانت محفورة في طريق المسلمين فلا خلاف في منعها وضمان صاحبها.

٢- نوع يكون أداؤه إلى المفسدة نادرًا كحفر بئر في موضع لا يؤدي غالبًا إلى وقوع أحد فيها، وكبيع الأغذية التي لا تضر غالبًا وكزراعة العنب، فهذا النوع باق على ما هو عليه من الإذن والجواز، فلا يترك حفر البئر في مكان لا تضر فيه غالبًا ولا يترك بيع الأغذية المذكورة ولا تترك زراعة شجر العنب خشية عصره خمرًا؛ لأن المصلحة إذا كانت غالبة فلا اعتبار بالندور في انخرامها.

٣- ما يكون أداؤه إلى المفسدة كثيرًا لا نادرًا وهو على وجهين:

الوجه الأول: أن يكون غالبًا كبيع السلاح لأهل الحرب وبيع العنب للخمار وبيع ما يغش به لمن شأنه الغش.

وقال: إن هذا الوجه: (أداؤه إلى المفسدة ظني فيحتمل الخلاف، أما أن الأصل الإباحة والإذن فظاهر، وأما أن الضرر والمفسدة تلحق ظنًا، فهل يجري الظن مجرى العلم فيمنع أم لا، لجواز تخلفهما؟ وإن كان التخلف نادرًا، ولكن اعتبار الظن وهو الأرجح لأمور.

منها أن الظن في أبواب العمليات جار مجرى العلم، والظاهر جريانه هنا.

ومنها أن المنصوص عليه من سد الذرائع داخل هذا القسم، كقوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: ١٠٨] وذكر له أيضًا أدلة أخرى منها: (إن من أكبر الكبائر شتم الرجل والديه) وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا} [البقرة: ١٠٤] .

الوجه الثاني: أن يكون أداؤه إلى المفسدة كثيرًا، لا غالبًا ولا نادرًا كمسائل بيوع الآجال فهذا الوجه محل نظر والتباس.

قال: (والأصل فيه الحمل على الأصل من صحة الإذن كمذهب الشافعي وغيره) ثم قال: (إلا أن مالكًا اعتبره في سد الذرائع بناء على كثرة القصد وقوعاً) (١) ، وظاهر كلام الشاطبي أن مالكًا اختص بهذا الوجه من سد الذرائع، ولعله لم يطلع على أن أحمد قال به أيضًا، وسنأتي بمذاهب الأئمة فيه إن شاء الله.


(١) الموافقات في أصول الشريعة ٢/ ٣٤٨ ـ ٣٦١

<<  <  ج: ص:  >  >>