للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا استعرضنا التقسيمات الآنفة الذكر نجد أن القرافي وابن عاصم قسما الذرائع ثلاثة أنواع وذكر القرافي إجماع الأمة على ذلك، بينما جعلها الشاطبي وابن القيم أربعة أنواع، غير أن تقسيم الشاطبي لم تتسع فيه الهوة بينه وبين تقسيم القرافي وابن عاصم.

فالقرافي وابن عاصم جعلا ما كان أداؤه إلى المفسدة قطعيًا أو ظنيًا نوعًا واحدًا، أما الشاطبي فجعلهما نوعين.

إلا أن الراجح عنده أن ما كان أداؤه إلى المفسدة ظنيًا لا يختلف حكمه مع ما كان أداؤه إليها قطعيًا قائلًا إن الظن يجري مجرى اليقين على الأرجح.

وعليه فإن اختلافهما في التقسيم يكاد يكون لفظيًا، يدل على ذلك أن ما مثل به القرافي للقسم المجمع على منعه مثل به الشاطبي للقسم الذي كان أداؤه للمفسدة غالبًا أي ظنيًا.

وهو قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: ١٠٨] .

وأما تقسيم ابن القيم للذرائع فإنه يختلف مع تقسيم القرافي وابن عاصم من وجهين.

أحدهما: أنه جعل المسكر ذريعة ووسيلة للسكر، والقذف وسيلة للفرية، والزنى وسيلة لاختلاط المياه وفساد الفراش.

فهذا النوع لم يجعله الجمهور ذريعة للفساد؛ لأنه فساد لذاته.

ثانيهما: أنه سوى بين ما كان أداؤه إلى المفسدة غالبًا، وما كان أداؤه إلى المفسدة كثيرًا لكنه غير غالب حيث قال: (يبقى النظر في القسمين الثاني والثالث) وقال: إن الدلالة على المنع تلاحظ من وجوه، وأتى بتسعة وتسعين وجهًا، منها النهي عن سب آلهة المشركين.

ومنها النهي عن بيوع العينة دون أن يفرق بينهما في الحكم.

علمًا بأن القرافي وابن عاصم فرقا بينهما فجعلا النهي عن سب آلهة المشركين من المتفق عليه إذا علم أن ذلك يؤدي إلى سب الله عز وجل، وجعلا قسم العينة مما اختلف فيه الأئمة وتقدم أن بيوع العينة عند الحنابلة هي بيوع الآجال عند المالكية.

وهذا وقد بينا أحكام الذرائع في كلامنا على أقسامها عند كل من القرافي وابن عاصم والشاطبي وابن القيم، فلا داعي لإعادتها، وما بالعهد من قدم.

أما ما يخص الشروط في الذرائع فقد تقدم عند كلامنا على المقارنة بين الذرائع والحيل أن الذريعة لا يشترط فيها القصد، فقد يكون إفضاؤها إلى المحرم بغير قصد وقد يكون بقصد، أما الحيلة فيشترط فيها القصد، وقد أوضحنا ذلك في النقطة الرابعة الآنفة الذكر.

فذكرنا ما تنفرد به الذريعة، وما تنفرد به الحيلة، وما يجتمعنا فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>