للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جـ- المقارنة بين التقسيمين:

أولًا: يختلف التقسيمان من ناحية منطقهما، فابن القيم يقوم منطقه على ملاحظة النية والقصد في الفعل، ولهذا تتكرر عنده عبارة الفعل المباح في أصله الذي قصد به التوسل إلى المفسدة، أما الشاطبي فلا ينظر إلى القصد في الفعل بقدر ما ينظر إلى نتائج ذلك الفعل وآثاره بحسب المآل الظاهري، ولهذا تجده يتعلق بشكل ظاهر بدرجة أداء الفعل للمفسدة من حيث القطعية والظنية.

والاختلاف في منطق المسألة عند الإمامين هنا راجع إلى اختلاف كبير في الفقه وهو هل يكون النظر إلى أي فعل بحسب آثاره الظاهرة أو بحسب نية قصد فاعله منه، بتعبير آخر هل الاعتداد في الأحكام الدنيوية يكون بالإرادة الباطنة أم الظاهرة؟

ثانيًا: يلاحظ أن ابن القيم وقد جعل المعيار في تقسيمه على النية والقصد يحسم موضوع بيوع الآجال ونكاح التحليل ويسد الذريعة في كل منهما، أما الشاطبي فقد كان أكثر رحابة وتقبلًا للخلاف في مثل هذه المسائل.

ثالثًا: يلاحظ على ابن القيم في تقسيمه أنه أدخل أمورًا ليست من الذرائع فيها فالقسم الأول من أقسامه يجعله للذريعة أو الوسيلة الموضوعة للإفضاء إلى المفسدة، كشرب الخمر المفضي إلى مفسدة السكر، والقذف المفضي إلى مفسدة الفرية، والزنى المفضي إلى اختلاط الأنساب، وكل ما ذكره في هذا القسم يدخل ـ حقيقة ـ في باب المقاصد لا الذرائع؛ لأن شرب الخمر حرام لذاته كما أن الزنى والقذف محرمان لذاتهما، وليس ذلك من باب الذرائع، ولو ساغ لنا أن نعتبر هذا النوع من الذرائع لأدخلنا فيها كل الأمور المنهي عنها شرعًا لأن كل أمر نهى عنه الشارع فإن نهيه عنه يكون لمفسدة تترتب عليه.

رابعًا: يمكننا أن نقرر ـ فيما وراء ما سبق من اختلافات بين الإمامين في تقسيمهما ـ أن القدر المشترك بينهما هو المباح في أصله الذي يكون وسيلة للمفسدة فهذا هو الذي تسد فيه الذريعة مع الاختلاف في الدرجة بحسب القطعية والظنية، وهذا اتجاه الشاطبي ومع ملاحظة النية والقصد وهو اتجاه ابن القيم.

أما التقسيمات الأخرى للفقهاء للذرائع، كتقسيم القرافي والصاوي من المالكية، وابن الرفعة من الشافعية، وغيرهم، فهي تقسيمات أساسها موقف العلماء من الذرائع من جهة ما هو مجمع على سده وما هو موضع خلاف، ولا تتعدى ذلك إلى ذات الذرائع، ولهذا فإن الأنسب تناولها خلال الحديث عن موقف الأئمة والفقهاء من سد الذرائع.

<<  <  ج: ص:  >  >>