للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نخلص من ذلك إلى أن مبدأ سد الذرائع متفق عليه عند الأئمة مالك وأحمد بن حنبل والشافعي وأبو حنيفة ولم ينازع فيه كمبدأ إلا ابن حزم الظاهري.

أما موضع الخلاف فيه فهو ما أدى إلى المفسدة كثيرًا بوجهيه، وهذا يتجه المالكية والحنابلة إلى سد الذريعة فيه، والشافعية إلى عدم سد الذريعة فيه وبخاصة في بيوع الآجال، أما الحنفية فلهم موقف وسط بين الفريقين كما سوف نرى من خلال بعض فروعهم.

وأصل الخلاف في هذا القسم راجع ـ كما ذكرنا من قبل ـ إلى أن من الفقهاء من يعول على النية والقصد في الإحكام الدنيوية وبخاصة أحكام البيوع، ومنهم من يعول على الظاهر، والأولون هم المالكية والحنابلة الذين اتجهوا إلى سد الذرائع مطلقًا، والآخرون هم الشافعية والحنفية إلى قدر، أما الأحكام الدينية فالجميع متفق على سد الذرائع فيها.

ومما يدل على أخذ الإمام الشافعي بمبدأ سد الذرائع قوله في باب إحياء الموات من كتاب الأم عند الحديث عن النهي عن منع الماء ليمنع به الكلأ إن ما كان ذريعة إلى منع ما أحل الله لم يحل وكذا ما كان ذريعة إلى إحلال ما حرم الله (١) .

ومن القواعد الفقهية التي تشهد لسد الذرائع عند الشافعية قواعدهم:

١- ما حرم أخذه حرم إعطاؤه.

٢- ما حرم الله استعماله حرم اتخاذه.

٣- من استعجل شيئًا قبل أوانه عوقب بحرمانه (٢) .

ومما يدل على أخذ الحنفية بمبدأ سد الذرائع ما جاء في (بدائع الصنائع) بشأن خروج المرأة إلى صلاة العيد ونحوها إذا كان يخشى منها الفتنة.

وأما النسوة فهل يرخص لهن أن يخرجن في العيدين؟ أجمعوا على أنه لا يرخص للثوب منهن الخروج في الجمعة والعيدين وشيء من الصلاة لأن خروجهن سبب الفتنة بلا شك والفتنة حرام وما أدى إلى الحرام فهو حرام) (٣) .

وما جاء في الهداية بشأن تعليل منع المرأة الحادة من استعمال الطيب.

والمعنى فيه وجهان: أحدهما ما ذكرناه من إظهار التأسف والثاني أن هذه الأشياء دواعي الرغبة فيها وهي ممنوعة من النكاح فتجتنبها كيلا تصير ذريعة (٤) .


(١) الأم ٣: ٧٢ طبعة الشعب
(٢) راجع: سد الذرائع في الشريعة الإسلامية للأستاذ محمد هشام البرهاني ٦٩٩، ٧٠٠
(٣) بدائع الصنائع ٢/ ٢٧٥ طبعة دار الكتاب العربي ببيروت.
(٤) الهداية ٢: ٣٢

<<  <  ج: ص:  >  >>