للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمذاهب كلها على هذا آخذة بمبدأ سد الذرائع كما قرره القرافي، والاختلاف فقط اختلاف في تحقيق المناط كما يقول الشاطبي، فالإمام الشافعي في مسائل بيوع العينة مثلًا لا يجيز التذرع إلى الربا بحال إلا أنه لا يتهم من لم يظهر منه قصد إلى الممنوع (١) .

وقد يكون الاختلاف في بعض الحالات اختلافًا في التقدير والموازنة بين المصلحة والمفسدة، فمن غلبت عنده المفسدة يسد الذريعة إليها، ومن تغلب عنده المصلحة لا يسد الذريعة، مع اتفاق الجميع على منع الذرائع إلى الفساد والضرر؛ لأن هذا مبدأ أساسي تشهد له الشريعة كلياتها وجزئياتها.

وفي هذا المعنى يقول الشاطبي وهو يتناول الحيل: (وكذلك القول في الحيل عند من قال بها مطلقًا فإنما قال بهاء بناء على أن للشارع قصدًا في استجلاب المصالح ودرء المفاسد، بل الشريعة لهذا وضعت، فإذا صحح مثلًا نكاح المحلل فإنما صححه على فرض أنه غلب على ظنه من قصد الشارع الإذن في استجلاب مصلحة الزوجين فيه، وكذلك سائر المسائل بدليل صحته في النطق بكلمة الكفر خوف القتل أو التعذيب، وفي سائر المصالح العامة والخاصة، إذ لا يمكن إقامة دليل في الشريعة على إبطال كل حيلة، كما أنه لا يقوم دليل على تصحيح كل حيلة، فإنما يبطل فيها ما كان مضادًا لقصد الشارع خاصة، وهو الذي يتفق عليه جميع أهل الإسلام، ويقع الاختلاف في المسائل التي تتعارض فيها الأدلة) (٢) .


(١) الموافقات ٤: ٢٠٠ بتحقيق الشيخ عبد الله دراز.
(٢) الموافقات ٢: ٢٤٧

<<  <  ج: ص:  >  >>