للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقارنة بين الذرائع والحيل:

النوع الأول: الحيل المحرمة تناقض مقصد سد الذرائع تمامًا بالمعنى الخاص؛ لأن سد الذرائع يسد أبواب المحرمات والمفاسد إذ المتحيل يسلك مسلك الذرائع الممكنة التي توصل إليها، وتمهد له طريقًا إلى فتح أبوابها قال ابن تيمية:

واعلم أن تجويز الحيل يناقض سد الذرائع مناقضة ظاهرة، فإن الشارع سد الطريق إلى ذلك المحرم بكل طريق، والمحتال يريد أن يتوصل إليه، ولهذا لما اعتبر الشارع في البيع والصرف والنكاح شروطًا سد ببعضها التذرع إلى الزنا والربا، وكمل بها مقصود العقود لم يمكن للمحتال الخروج عنها في الظاهر، فإذا أراد الاحتيال ببعض هذه العقود على ما منع منه الشارع، أتى بها مع حيلة أخرى توصله بزعمه إلى نفس الشيء الذي سد الشارع ذريعته، فلا يبقى بمنزلة العبث، واللعب وتطويل الطريق إلى المقصود من غير فائدة (١) .

وهذا هو القسم الذي شن عليه الغارة العلماء، وفي هذا الصدد نقل ابن قدامة عن عبد الله بن عمر: (من يخدع الله يخدعه) (٢) .

أما النوع الآخر: الحيل الجائزة فإن ذلك يوافق طبيعة الشريعة الإسلامية النيرة، ويحقق هدف سد الذرائع بالمعنى العام ـ لأنه يكون التحيل في المحرمة لارتكاب محرم، وهذه هي التي تناقض سد الذرائع ـ ويكون التحيل في الجائزة لفعل جائز، أو مطلوب وهذه لا تناقض الذرائع، بل هي في حقيقتها تطبيق لوجه من وجوه العمل به، بمعناه العام وذلك يتمثل في دفع الفساد بأمر جائز، أو لارتكاب أخف الضررين (٣) .

كما أباح ابن القيم خلع الحيلة مع حرمته في مذهبه بعد ما قارن بين مفسدتي التحليل والخلع فرأى الأول أنها أرجح من الثانية، والأخرى أخف منها، فاحتال لدرئها بالثانية، وهو يشير إلى ضابط الفرق بين النوعين.

(والحيلة المحرمة الباطلة، هي التي تتضمن تحليل ما حرمه الله أو تحريم ما أحله الله أو إسقاط ما أوجبه الله، وأما حيلة تتضمن الخلاص من الآصار والأغلال، والتخلص من لعنة الكبير المتعال فأهلًا بها من حيلة، وأهلًا بأمثالها والله يعلم المفسد من المصلح والمقصود تنفيذ أمر الله ورسوله بحسب الإمكان والله المستعان (٤) .


(١) فتاوى ابن تيمية ٣/١٤٥، وما بعدها انظر إعلام الموقعين ٣/١٧١
(٢) انظر التفصيل المغني ٥/ ١٩٢
(٣) انظر سد الذرائع ص٩٤
(٤) إعلام الموقعين ٤/ ١١٢ وما بعدها مع تصرف يسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>