للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما محل النزاع في سد الذرائع خصوصًا فيما بين الأئمة الأربعة ففي قسم واحد من أقسام الذرائع، وهو ما يفضي إلى المفسدة كثيرًا ولكن كثرته لم تبلغ مبلغ أن تحمل العقل على ظن المفسدة فيه دائمًا كمسائل البيوع الربوية أي التي قد تفضي إلى الربا (١) .

قال أبو زهرة عند كلامه على الموازنة بين الشافعي وأحمد ... فقد أجمعوا على أن ما يؤدي إلى إيذاء جمهور ممنوع لا محالة، كحفر الآبار في الطرق العامة.

وقد أجمعوا أيضًا على أن ما يكون سبيلًا للخير والشر ويكون في فعله فوائد للناس، لا يكون ممنوعًا، كغرس العنب فإنه يؤدي إلى عصره وتخميره، ولكنه لم يكن لذلك بأصله، ولأن استخدامه لذلك احتمال والمنفعة في غرسه أكبر من هذه المضرة، والعبرة بالأمر الغالب أو الراجح في الظن وفيما عدا القسمين السابقين كان الخلاف، فالشافعي نظر إلى الأحكام الظاهرة، وإلى الأفعال عند حدوثها ولم ينظر إلى غاياتها ومآلاتها (٢) .

بخلاف الإمام أحمد والإمام مالك فإنهما عند اتجاههما إلى الذرائع نظرًا إلى المآلات نظرة مجردة ونظرا إلى البواعث (٣) .

وألقى الشيخ أبو زهرة الضوء على محط النزاع في كتابه (مالك) حيث قال: وهنا يتعارض جانبان قويان من النظر أحدهما النظر إلى الإذن، وأصل الإذن كان لمصلحة راجحة للفاعل، ولذا أجازه الشارع منه، والثاني المفسدة التي كثرت وإن لم تكن غالبة، فنظر أبو حنيفة والشافعي إلى أصل الإذن، ولذلك كان التصرف عندهم جائزًا لا مجال لمنعه. وهذا نظر أبي حنيفة والشافعي فرجحا جانب الإذن؛ لأنه الأصل، وأما مالك فقد نظر إلى الجانب الآخر، وهو جانب قوي أيضًا، وهو كثرة الفساد، المرتبة على الفعل وإن لم تكن غالبة (٤) .


(١) انظر الموافقات ٢/٢٤٢
(٢) ابن حنبل ص ٣٣٧
(٣) ابن حنبل ص ٣٣٨
(٤) مالك لأبي زهرة ص ٣٤٦ ـ ٣٤٧

<<  <  ج: ص:  >  >>