للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثاني

في المقارنة بين الذرائع والحيل الفقهية

ومدى الوفاق أو الخلاف بينهما

معلومات أولية:

أول ما يجب ذكره هنا، هو: بيان معنى الحيلة"، في الوضع اللغوي، والوضع الشرعي (يعني الاصطلاحي) ليتسنى لنا أن نقرر مقدار الائتلاف أو الاختلاف بين الذرائع والحيل.

ولكي يتم لنا هذا، لن يكون لدينا سوى أن نركن إلى الذين سبقونا بالعلم والفقه، فنقتبس من علومهم، ونغترف من بحورهم، والله تعالى من وراء الجميع بعلمه محيط.

قال أهل اللغة: الحيلة: اسم من الاحتيال، وهي: الحذق في تدبير الأمور، وجودة النظر، وهو: تقليب الفكر حتى يهتدي إلى المراد، وتجمع على حيل، وهي أيضًا: ما يتوصل به إلى حالة ما في خفية، وأكثر استعمالها فيما في تعاطيه خبث، وقد تستعمل فيما فيه حكمة، ولهذا قيل في وصف الله عز وجل: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد: ١٣] أي: الوصول في خفية عن الناس، إلى ما فيه حكمة (١) .

أما أهل العلم من الفقهاء والأصوليين، فقد تولى الإمام الكبير، أبو إسحاق الشاطبي، تعريفها تعريفًا جامعًا مانعًا، ممتعًا مقنعًا، وراح يقول في حقيقتها المشهورة بأنها: (تقديم عمل ظاهر الجواز، لإبطال حكم شرعي، وتحويله في الظاهر إلى حكم آخر) . وذكر أن مآل العمل فيها، خرم قواعد الشريعة في الواقع.

وضرب لها مثلًا بالرجل الغني، الواهب ماله عند رأس الحول فرارًا من الزكاة، وشرحة قائلًا: إن أصل الهبة على الجواز، ولو منع الزكاة من غير هبة، لكان ممنوعًا، فإن كل واحد منهما، ظاهر أمره في المصلحة أو المفسدة، فإذا جمع بينهما على هذا القصد، صار مآل الهبة، المنع من أداء الزكاة، وهو مفسدة ولكن هذا بشرط القصد إلى إبطال الأحكام الشرعية) (٢)

هذا ما عرف به الحيلة (أبو إسحاق الشاطبي) ، من أئمة المالكية، ولعله أفضل التعاريف المأثورة المشهورة للحيلة، وأشملها لأنواعها..

وإذا أردنا أن نزداد علمًا، قلنا: إن (الحيلة) هي: إظهار عمل ممنوع شرعًا، في صورة عمل جائز، يتحول به فاعله من حال يكرهه، إلى حال يحبه.

وقد غلب استعمالها في سلوك الطرق الخفية، التي يتوصل بها إلى حصول لغرض بحيث لا يتفطن لها، إلا بنوع خارق من الذكاء والدهاء، والمهارة والشطارة.


(١) المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني (مادة ـ حول) ، والمصباح المنير للفيومي (المادة نفسها) .
(٢) الموافقات من أصول الأحكام (ج٤ ص ٢٠١) بتحقيق الشيخ العلامة عبد الله دراز

<<  <  ج: ص:  >  >>