ومثاله: استناد القاضي في الحكم، إلى ما يعلم من حال القضية ترفع إليه، فالمالكية ذهبوا إلى أن القاضي لا يقضي بعلمه مطلقًا وأوجبوا عليه الرجوع إلى البينات والوقوف عندها؛ مخافة أن يتخذ قضاء السوء، الذين لم تشرب قلوبهم التقوى، الاستناد إلى علمهم، ذريعة إلى الجور في القضية، فيفصل فيها اتباعًا للهوى، ويزعم أنه يعلم منها، ما لم تعلمه البينة.
نقل الشوكاني في (نيل الأوطار) ، عن أبي علي الكرابيسي: أنه لا يقضي القاضي، بما علم لوجود التهمة، ويلزم من أجاز للقاضي أن يقضي بعلمه: أنه لو عمد إلى رجل مستور لم يعهد منه فجور قط، أن يرجمه، ويدعي (القاضي) : أنه رآه يزني، أو يفرق بينه وبين زوجته، ويزعم أنه سمعه يطلقها. فإن هذا الباب لو فتح، لوجد كل قاض السبيل إلى قتل عدوه. والتفريق بينه وبين زوجته، ومن هنا قال الشافعي: لولا قضاة السوء، لقلت: إن للحاكم أن يحكم بعلمه.
(المهم) : إن استناد القاضي إلى علمه متردد بين أن يكون وسيلة إلى حفظ الحق وأن يكون ذريعة إلى مفسدة الجور في القضاء، والمحققون من الفقهاء على سد الذريعة في مثل هذا الفرع (١) .