للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشاطبي رحمه الله قسم الحيل ثلاثة أقسام بناء على موافقتها للمصالح التي وضعت الشريعة لها أو مخالفتها لها:

أحدها: ما لا خلاف في بطلانه، كحيل المنافقين والمرائين.

الثاني: ما لا خلاف في جوازه، كالنطق بكلمة الكفر إكراهًا عليها، قال الشاطبي، وكلا القسمين بالغ مبلغ القطع (١) .

الثالث: ما لم يتبين بدليل قاطع موافقته لمقصد الشارع أو مخالفته له، وهذا على خلاف بين العلماء، ومرد اختلافهم اختلاف نظرهم في موافقته لمقصد الشارع أو مخالفته له.

فمن رأى أنه غير مخالف لمقصد الشارع أجاز الحيلة فيه، ومن رآه مخالفًا منع الحيلة؛ لأنه لا أحد من الأئمة يجيز مخالفة قصد الشارع (٢) .

وقد مثل الشاطبي لما اختلف نظر المجتهدين فيه بنكاح المحلل فهو حيلة إلى رجوع الزوجة إلى من طلقها طلاقًا بائنًا، فمن أجاز هذه الحيلة نظر إلى موافقة الصور نصوص الشارع ونصوصه مفهمة لمقاصده.

وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتك)) (٣) . ظاهر في أن المراد في النكاح الثاني ذوق العسيلة، وقد حصل ولو كان قصد التحليل معتبرًا في الفساد لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم وكونه حيلة لا يفسده وإلا لزم ذلك في كل حيلة، ونظرا إلى ما فيه من المصلحة بقصد الإصلاح بين الزوجين.

وإذا كان الشاطبي قد بني تحريمه للحيل على موافقتها للمصالح التي وضعت الشريعة لها أو مخالفتها لها، وإن ما لم يتبين موافقته لمقصد الشارع أو مخالفته له هو محل النظر، فمن رآه من العلماء موافقًا لمقصد الشارع أجازه ومن رآه مخالفًا منعه، فإن ابن تيمية وتلميذه ابن القيم استدلا لحرمة الحيل التي جعلها الشاطبي محل نظر، ولذلك كان موقفهما هو التنديد في تحريم التحليل والمنع منه وإنكار أن ينسب لأحد من الأئمة القول به (٤) .

كما يرى أن من أفتى بالحيل المحرمة هو غير مقتد بإمام من أئمة الدين، ومن نسب شيئًا من الحيل المحرمة لأحد من الأئمة فهو جاهل بأصولهم؛ لأن أكثر ما نقل من الحيل مناقض لأصول الأئمة (٥) .


(١) الموافقات ج٣ ص ٣٧٧
(٢) الموافقات ج٢ ص ٣٨٨
(٣) رواه الجماعة عن عائشة في قصة امرأة رفاعة (نيل الأوطار ج٦ ص ٢٥٣
(٤) الفتاوى لابن تيمية ج٣ ص٩٣
(٥) إعلام الموقعين ج٣ ص ١٧١

<<  <  ج: ص:  >  >>