للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رد ابن القيم على الشافعي ردًا قويًا مركزًا، فقال: " والمتكلم بالعقود إن قصد منها ما لا يجوز قصده كالمتكم بنكحت وتزوجت فلا يقصد منه عشرة زوجية مؤقتة بل يقصد تحليلها لمطلقها الثلاث، ويقصد ببعت واشتريت الربا، وما شبه ذلك فهذا لا يحصل به مقصوده الذي قصده وجعل اللفظ والفعل وسيلة إليه لأن في تحصيل مقصوده تنفيذًا للمحرم وإسقاطًا للواجب وإعانة على المعصية ومناقضة شرعه، وإعانته على ذلك إعانة على الإثم والعدوان" (١)

وبهذا يظهر أن الشافعي يرى أن كل عقد تؤخذ أحكامه من صيغته ومما لابسه واقترن به، ففساده لا يكون من صيغته، وصحته تكون منها، ولا يفسد من أمور خارجة عنها ولو كانت نيات ومقاصد لها أمارات ومآلات مؤكدة، والإمام أحمد يخالف في ذلك تمام لأن الحكم عنده على أساس ذلك القصد.

ثم إن الأساس الذي يقوم عليه أصل الذرائع يدفعنا حتمًا إلى اعتباره موجودًا عند الشافعية من وجهين.

الوجه الأول: لا يمكن بحال أن نقول إن الشافعي ينكر آثار سد الذرائع في الشريعة الإسلامية، ولكنه يثبتها ضمن المصادر الأصلية الأخرى.

أ - عن طريق الكتاب كما جاء في قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الأنعام: ١٠٨] .

ب - عن طريق السنة كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه)) الحديث (٢) .

ج- عن طريق القياس: كحرمة الصيد الواقع في الشبكة إذا نصبها قبل الإحرام، قياسًا على ما جاء في قصة أصحاب السبت.

د- عن طريق الاستحسان كاستحسان أبي يوسف كراهة السلام على لاعبي الشطرنج وما إليه، تحقيرًا لهم عن ذلك، ولأن في السلام عليهم معنى من معاني الإعانة على الإثم.


(١) إعلام الموقعين بتصرف ج٣ ص ١٠٦ ـ ١٠٧ أحمد بن حنبل، أبو زهرة ص ٣٢٩
(٢) رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر

<<  <  ج: ص:  >  >>