للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحنفية وسد الذرائع:

لا يعني عدم ذكر الحنفية لسد الذرائع ضمن أصولهم عدم اعتبارهم لصحة العمل به لأننا نلمح ذلك عندهم في أمرين:

الأول: قولهم بالاستحسان وهو باب يدخلون منه إلى العمل بالمصلحة وسد الذرائع من وجوه العمل بالمصلحة، بل إن بعض صورة الاستحسان عندهم هي عين صور سد الذرائع عند المالكية، فلا يبدو الفرق بين المذهبين إلا في التسمية.

الثاني: عملهم بسد الذرائع بالفعل في فروع كثيرة، وسنستعرض بعضًا منها فيما يلي:

١- الحداد على البائن المتوفى عنها زوجها.

قال صاحب البداية: وعلى المبتوتة المتوفى عنها زوجها إذا كانت مسلمة الحداد، وهو الامتناع عن الطيب والزينة والدهن والكحل لإظهار التأسف، ولأن المرأة إن كانت متزينة متطيبة تزيد رغبة الرجل فيها وهي ممنوعة عن النكاح ما دامت في عدة الوفاة أو الطلاق فتجتنبهما حتى لا تصير ذريعة إلى الوقوع في المحرم (١) .

٢- قضاء القاضي لمن يتهم فيه من ذوي رحمه، فقد ذكر السمرقندي أنه لا يجوز للقاضي أن يقضي لنفسه ولا لأبويه وإن علوا، ولا لزوجته ولا لأولاده وأن سفلوا ولا لكل من لا تجوز شهادته لهم، وذلك سدا للذريعة ومنعا للشبهة (٢) .

٣- تحريم مقدمات الوقاع على المعتكف كاللمس والقبلة دون الصائم الذي يأمن على نفسه؛ لأن الوطء محرم على الأول بالنص قصدًا في قوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧] وعلى الثاني ضمنًا من الأمر بالإمساك عن المفطرات فالتحقت المقدمات بالتحريم في الأول ولم تلتحق في الثاني ونص الحنفية على أن الوسيلة إلى الشيء حكمها حكم ذلك الشيء. (٣)

٤- اتفاق الحنفية مع المالكية والحنابلة في المنع من بعض صور بيوع الآجال، ومن ذلك أنهم نصوا على أن من اشترى سلعة بألف حالة أو نسيئة قبضًا لم يجز له أن يبيعها من البائع بخمسمائة قبل أن ينقد الثمن الأول كله أو بعضه؛ لأن من الشروط المعتبرة في صحة العقود عندهم الخلو من شبهة الربا؛ لأن الشبهة ملحقة بالحقيقة في باب المحرمات احتياطًا، وأصل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات)) .


(١) الهداية ج٣ ص ٢٩١ ـ ٢٩٤
(٢) تحفة الفقهاء ج٣ ص ٦٩٩
(٣) فتح القدير ٢/١٢٣

<<  <  ج: ص:  >  >>